قالت هل ترافقني مشواري .. قلت الى أين ؟ .. قالت مش مهم أن تعرف .. عليك فقط أن تصعد السيارة .. ثم أقول لك الى أين نحن ذاهبون .. ودون أن أردّ .. صعدت .. انطلقت السيارة تنهب الأرض نهباً .. داست على مفتاح المذياع .. إنطلق صوت المقرئ الشيخ في ترتيل رائع لآيات من الذكر الحكيم ما منحنا الهدوء والسكينة.
ساد الصمت المكان .. ونحن نهرول في إتجاه الهدف .. فجأة توقف المذياع عن الترتيل .. في حركة غير مُدبرة .. أدسُّ يدي في جيبي .. أخرجُ منها شريط كاست .. كان قد أرسله لي صديق «تيسير خطاب» مع أحدهم .. منذ وقت بعيد .. إلا أن الرجل كعادته .. إلتهم الشريط كما يلتهم كل شيء .. من المناسف حتى السجائر .. الجديد في الأمر .. أنني إكتشفت أنه يلتهم الأشرطة أيضاً .. ولا يعيدها .. إلا بعد إكتشاف أمره .. وربما لا يعيدها على الإطلاق .. فهو حرٌ طليق .. لا حسيب .. ولا رقيب .. ولا أدري .. لماذا يحبه الناس بصفاته هذه !!
راح المذياع ينطق شعراً .. قالت .. مَن .. محمود درويش ؟ .. قلت .. نعم هو بعينه .. أجلس في مقعدي .. أتلوى من الغيض والشجن .. وأُهلل لكل ما يقول .. يستخفني الطربُ .. رحت أقول لها .. كان على الفلسطينيين أن يدفعوا أعداؤهم وأبناء جلتدهم .. لذبحهم كلما تسنى لهم ذلك .. كي يمنحوا هذا الشاعر .. الفرصة تلو الفرصة .. لكتابة معلقاته .. فالدم وحده .. لا يكفي .. والعذاب كذلك .. فنحن معشر العرب .. لا نعتز بغير الشّعر .. ولا يخلدنا سواه .. ففوق جدار الكعبة .. إعتدنا أن يعرض شُعرائنا معلقاتهم .. فتخليداً لمأساة الفلسطينيين الأزلية .. حاضرها .. ومستقبلها .. لا يتم إلا من خلال الشعراء والمبدعين .. وأسهبتُ مُسترسلاً .. لقد خسرنا معلقته الأخيرة ! .. بشأن «مجزرة غزة» .. هزت رأسها في سخرية ! وإستهجان ! من إنحيازي الظالم .. قالت .. أنت دائماً تعبد الأصنام .. من عبد الناصر الى غيفارا .. كذلك الشيخ إمام .. والآن محمود درويش .. المصيبة أنك تعشقهم .. ثم تعبدهم .. ولكن بعد فوات الآوان .. قلت .. لا .. لم ولن .. يفُت الآوان.
الشُعوب .. تخلّدُ .. مفكريها وشعراءها وفنانيها الكبار .. ويُقام لهم التماثيل في الميادين العامة .. وتُزين صورهم العملات الرئيسية لبلادهم .. أما نحن .. فنصنع التماثيل .. للصوص .. والأفاقين .. والمستسلمين .. ومغتصبي السلطة .. فهل سنرى رسوماً لمحمود درويش .. تزين عملته الوطنية في المستقبل .. هل سيُقام له ولغيره التماثيل التي تملأ الميادين .. «في التي كانت تسمى فلسطين .. ثم صارت تسمى فلسطين».
وصلنا .. داهمتني الأفكار .. السوداء .. والبيضاء .. وكل الألوان .. ورحت اسأل نفسي.
هل تستوي القامات ؟ .. هل تستوي قامات أصحاب الملايين .. مع قامة شاعر .. أو مبدع عظيم ؟
هل قامات .. السياسيين .. والقادة المدجنين .. مهما نالوا من جاهٍ مُصطنع .. ترتقي الى قامات .. جورج حبش .. أو موفق محادين .. أو عبد الحليم قنديل وأقرانهم ؟
شتان كبيرة ...... ؟؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «659» التاريخ : 9/2/2010 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق