منذ ثلاثة عقود وربما أكثر كانت الريات الحمراء ترفرف عالية تملأ سماء المعمورة ..
الأنصار .. المريدون .. يتماهون في كل مكان .. في المكاتب .. في المقاهي .. في المخيمات .. في الفصائل .. في الاحزاب .. في الجامعات .. حتى في اوساط صغار الطلبة.
إنها حالة إنبهار اخاذة .. رسمت في لحظة من الزمن ملامح جيل بأكمله وعلى نطاق يثير الدهشة ..
لم أنبهر .. لم التحق .. لم اندفع .. لم أهرول .. رغم قوة التيار وشدة بأسه وبراعة ممثليه.
في وسط هذا الزحام كنت أرى الأمور على نحو مختلف .. جول جمال أقرب الى نفسي من «اميل حبيبي» .. سليمان الحلبي الطالب الأزهري سكن أعماقي وحرك كوامن نفسي أكثر من الجنرال «جياب» .. خالد بن الوليد القائد العربي «إبن الصحراء» شكل قوة مثال لي ومنارة عزة وكبرياء .. لا يرتقي إليها «الاسكندر المقدوني» و«هانيبال».
عروة بن الورد «فارس الصحراء» وشاعرها وأميرها والمنتصر لفقرائها كان مصدر الهام لي أكثر من «لينين».
قبل عام وعدة اشهر ذهبت الى الديار المقدسة لأداء مناسك العمرة ، زرت مكة والكعبة المشرفة .. لم يبهرني المكان .. لم يشدني شيء سوى عظمة النبي العربي الذي يرقد بطمأنينة في مسجده الشريف في المدينة المنورة .. وتخيلت كيف انطلقت من هنا جحافل الخيل لتدمر أكبر أمبراطوريات الشر والطغيان في ذلك الزمان وإقامة دولة العدل والمساواة والتسامح.
طفت مرات عدة محاولاً الاقتراب من المكان .. شعرت بالخجل .. شعرت بالأسى .. شعرت بالقهر .. لما نمر به في حاضر أيامنا .. ذلك أننا لم نصن الراية كما تسلمناها .. ولم نحافظ على المجد الذي منحنا إياه هذا الإنسان الفذ.
غادرت الديار المقدسة ولما تزل في نفسي رغبة جامحة في العودة .. لم أشعر بالارتواء .. وشاءت الأقدار أن أعود في موسم الحج لهذا العام ، أديت المناسك .. الاحرام .. الطواف .. السعي .. عرفات .. المزدلفة .. منى .. والجمرات.
ملايين البشر .. رجالاً .. نساءاً .. فتياناً .. من كافة أرجاء المعمورة .. على إختلاف أجناسهم والوانهم يجوبون مكة وأطرافها في حركة إنسانية رائعة.
أديت المناسك مقتدياً بالرسول الأعظم الذي غير وجه الدنيا ليجعل منا خير أمة أخرجت للناس.
شعرت كم كنت مصيباً في قناعاتي ، لم أتنكر لماض عشته ، سأظل وفياً مخلصاً لثوابتي ، سوف استمر بقناعتي كما كانت وسيبقى أصدقائي هم أصدقائي .. لم ادجن .. ولن ادجن .. وسأبقى معادياً للطاغوت والطغيان ومدافعاً عن حق الناس في الحياة والحرية .. لن أدير الظهر لماض اعتز به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «232» التاريخ : 13/3/2001 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق