ثمة رغبة جامحة اجتاحت الفتى اليافع .. فالميدان الذي يمارس فيه ألعابه لا يرتقي الى طموحاته الواعد .. فأحلامه أكبر من ذلك بكثير .. أحس بالضيق .. وربما بالاختناق .. وبلا تردّد قرر هجرة ذلك المكان.
جاء الى الوحدات مثقلاً بأمانيه الكبيرة .. فالفتى على عجلة من أمره .. وقّع بلا تردد .. كان سعيداً بذلك .. ربما لم ينم في تلك الليلة .. في هذه المرحلة بالذات شاءت الظروف أن أكون على مقربة من ملعبه.
في اليوم التالي .. جاء الى التمارين مبكراً .. فحلمه تحقق أو يكاد .. وتوالت الأحداث .. دخلنا في معمعات الدوري .. الكاس .. الدرع .. البطولات العربية والآسيوية ..
لكن الفتى لم يكن في الحُسبان .. فلكل شيخٍ طريقة .. ولكل مدرب حساباته .. تذمر .. إشتكى .. تألم .. «لا تندهي ما في حدا» .. سافرنا الى اليمن .. جاءته الفرصة ليلعب أساسياً ..قبل المباراة بقليل جذبتهُ نحوي .. وقلت له : «اليوم يومك إفرض نفسك على أرض الميدان .. لقد جاءتك الفرصة» ..
لم يكن كما يجب .. كان مهزوزاً .. متوتراً .. حاول الاحتكاك بالحكم .. أُصبت بالخيبة .. في الفندق بعد المباراة .. أستدعيته فتمتم كلاماً غير مفهوم.
في إندفاعة أخرى أصبح الفتى ملء الأسماع .. تنهال عليه العروض من كل صوب .. لكن نزعة الشر في داخله بقيت تلازمه .. تلك النزعة تغيظني .. تقهرني .. فأنا أحب أداء هذا الفتى .. فهو أسمر اللون .. مكتنز .. «أفكح» .. يتسكع في جنبات الملعب .. تماماً كلاعبي المفضل آنذاك (روماريو).
نهاية دوري 2005 .. ستاد الملك عبدالله في القويسمة يشهد مباراتنا الأخيرة .. تلك المباراة .. لا تقدم ولا تأخر .. فهي تحصيل حاصل .. وفريقنا فائز (11 ــ صفر) داهمته نزعة الشر المستوطنة داخله .. أصر على إنتزاع بطاقة حمراء بلا مبرّر .. طرد من أرض الملعب .. الدهماء .. تُصفق له .. تُحييه .. تُشجعهُ .. لأن في ذلك ما يُرضي نزعة الشر في دواخلهم .. فهم أيضاً مجموعة من الحمقى .. لا تعرف ما هي المصلحة العامة .. اللهم إلا الرغبة في الثأر .. ونزعة التخريب .. والرغبة في الظهور.
صعد الى ظهر الحافلة الكبرى للاحتفال .. حاول مُلاطفتي بالإقتراب مني .. رفضت مصافحته .. غضب وإنصرف وتوالت الأحداث .. تطور الفتى وأصبح رجلاً .. يفرحني دائماً بأدائه ومهارته .. ولكنه بقي شريراً.
في أحد الأيام وفي لقاء عابر دار حوار مع الأستاذ بكر العدوان بشأن إنتقاله الى فريق الفيصلي فقلت له .. إنك تريد أن تتعاقد مع لاعب واحد .. ولكنه ليس لاعباً .. استغرب الرجل الجواب .. قال بدهشة : ماذا يكون إذن ؟ .. قلت إنه فريق بكامله.
آخر مباراة له لعب كما لم يلعب من قبل .. راح يجوب أطراف الملعب كالحصان .. أبهرني .. حيرني .. سألت نفسي هل أنا سعيد بذلك .. بالتأكيد .. أقولها بصراحة فأنا لستُ سعيداً .. بهذا «البلّيط».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «663» التاريخ : 9/3/2010 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق