الجمعة، 29 أكتوبر 2010

ديسكو .. ونهر مقدس ..

 


ترتبط الهند في أذهان الكثيرين بأنها تتشكل من قطعان الشحادين والفيلة وأفاعي الكوبرا .. وتتعمق الصورة في ذاكرتهم أن جموع الهنود أناس لا يحسنون إلا الرقص والغناء والتمتع بمشاهدة أفلامهم الطويلة المنتجة في بوليود .. هذا الانطباع السائد في الذاكرة الجمعية للشعب العربي وربما لشعوب أخرى ..
القلة القليلة التي تعرف تاريخ الهند وعظمة الشعب الهندي وعطائه للحضارة الإنسانية قديماً .. والأقل الذين يؤمنون أن الهند قوة كونية صاعدة وجدت طريقها نحو الشمس لا بفعل القنابل النووية .. ولا بمدى الصواريخ العابرة للقارات التي تمتلكها من إبداع أبنائها ..
لم تُدفع مليارات «اليورو» لساركوزي لشراء بضعة طائرات .. ولم يدفع الهنود لجورج بوش الحاويات المحملة بالدولارات .. رشاوي .. لنيل رضا العم سام .. لشراء خردة الصناعات الأمريكية .. الهنود يصنعون كل شيء .. من الإبرة وحتى القنبلة النووية ..
الأسواق ممتلئة عن بكرة أبيها بالبضاعة الهندية ولا يموت الناس في  طوابير الخبز .. شوارع كلكتا تملؤها الحياة والصخب.
الهند الكبرى .. متنوعة اللغات والأعراق .. الهندوس .. والمسلمون .. والسيخ .. والبوذيون .. والمسيحيون .. والعشرات من الطوائف والأعراق والأديان .. تتعايش في نسيج اجتماعي مذهل .. يكاد يكون استثناء في هذا العالم .. صحيح أن هناك بعض المنغصات قد تحدث هنا أو هناك وفي فترات زمنية متباعدة .. ولكن الأصل أن الهنود أمة متحدة ومتحابة .. وإلا لما استطاعت أن تكون بهذه القوة والمنعة .. فالهند لا تحكم بالحديد والنار .. ولا ببساطير العسكر .. ولا بالأحكام العرفية .. بل تقاد عبر صناديق الاقتراع .. عبر الديمقراطية .. رغم التنوع في العرق والجنس والدين ..
لم يتخل الهنود عن تراثهم ولا عن تقاليدهم ولا عن ثقافتهم .. وبقيت الطبقات الوسطى محافظة على ذاتها وفق التقاليد والثقافة الهندية الراسخة .. لا زال الهندي يرتدي ملابسه التقليدية وكذلك المرأة .. ويذهبون إلى العمل بتلك الملابس غير آبهين بكل التقاليد والصرعات الغربية ..
في الهند الملايين الذين يذهبون إلى النهر المقدس .. يحملون آلهتهم المزينة بكافة (الدناديش والشراشيب التقليدية الملونة) ويطوفون بها في طقوس غريبة .. تصيب المشاهد بالدهشة .. ثم يلقونها في النهر المقدس تقرباً للرب كي يرزقهم ويحفظهم من كل سوء ..
في الهند أيضاً مراقص وملاهي وديسكوهات لمن يرغب .. وعلى الطريقة الغربية .. ولكن القلة القليلة التي تذهب هناك والغالبية العظمى تشدها عراقة الهند وحضارتها وتاريخها .. والنظره الى المستقبل.
في الطريق إلى الهند قضينا ليلتنا في أكبر ديسكو في العالم .. بائعات الهوى من كل حدب وصوب .. يملأن الطرقات .. من كل الأجناس والألوان يُساومْن المارة بلا حسيب أو رقيب .. شوارع خلفية .. شوارع سفلية.. عندما نسأل ما هذا الذي نراه .. وما هذا الذي نسمعه .. يقولون .. إنها الحضارة .. إنها دبي .. وعلى المرء أن يختار.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «569»     التاريخ : 22/4/2008     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق