الاثنين، 27 ديسمبر 2010

البطل .. والعنكبوت .. وتغيير الإتجاه




اعترض طريقي صديقي «أبو الذهب» وقال لقد كان صديقك رائعاً , بعكس الأخر الذي كان منحازاً.
كان صديقك بفطرته بريئاً بسيطاً شجاعاً .. قلت نعم هو كذلك .. في اللقاءات التي تلت ذلك ، فردية كانت أم جماعية ، انصبّ الحوار على مناقشة ذلك الموضوع .. الكل يشيد بصديقي البسيط البريء الذي يعبّر عن ذاته بالفطرة ..
أقول لهم هذا صحيح أيضاً .. لقد كان شجاعاً وسيظل كذلك لأنه انحاز إلى وجدانه وقناعته .. ظل منسجماً مع تراثه .. ماضيه .. حاضره .. مستقبله .. لهذا جاءت المنازلة بسيطة ولكنها معبرة وقوية .. لم يكن الرجل «يمثّل» فهو حزينٌ بحق لما جرى .. ومن شاهده على الشاشة بعد انهيار الشبك يبدو الرجل بوضوح تائهاً مذهولاً مصدوماً ..يكاد يخرج من ملابسه .. قد لا يكون الرجل قد نال العلامة كاملة .. ولكنه بالتأكيد نجح بمرتبة الشرف وأصبح بطلاً في الوجدان الشعبي .. أهم الحوارات وأكثرها سخونةً ما جرت في الأيام القليلة الماضية واستمرت لساعات بحضور قلّة من المفتونين والمأفونين والمنغلقين والمنبوذين والمزايدين والمنافقين والمغفلين ، وأكثرية ممن يريدون معرفة الحقيقة وما هو الحل .. !!
شرحنا لهم بإسهاب التجارب السابقة من حادثة رمي الحجارة في ملعب اربد عام 1980 ، إلى حادثة استاد عمان ونتيجة حلّ الأزمة بشكل قاصر ونزق قادتنا إلى الوديان و فحُلت إدارة النادي وهيئته العامة وإنقاد نادي الوحدات إلى غير مكانه وموضعه ، وأصبح نادياً لحفنة من الناس بعد أن كان نادياً للجماهير .. فمنحوه غصباً لقباً لا يُعبر عن الحقيقة.
واستعرضنا الحلول واستقرت الآراء أنه لا مجال إلا للحل عبر طرفي الخلاف .. المعنيون في الأمر وإدارة نادي الوحدات عبر حوار هادف وبنّاء يقود لتحقيق العدالة .. ولا يجوز أن يبقى الحوار (حوار الطرشان) وعبر التراشق في الفضائيات بما لا يخدم مصالح البلد والوحدات معاً.
واستمرت الحوارات والجلسات .. معظمها تشيد بدوره وبموقفه ، علْماً أنه يجلس في (المقعد والمكان الصعب) بعكس محاوره الذي يجلس في (المقعد والمكان المريح) .. والشاطر يفهم.
أما العناكب المستوطنة بطبيعتها في الأماكن اللزجة والباردة ، وفي الزوايا المظلمة داخل الحفر وبين الصخور وفي ثنايا الكهوف ، ترشق تلك الأماكن بسوائلها المقرفة .. فلا دور للعناكب سوى اصطياد الذباب .. تلك العناكب التي لا تعرف النهار والليل مرادها وعشقها .. تسرح وتمرح فيه كونها رعديدة .. تختفي في الزوايا وتحت جنح الظلام وفي أدواتها ووسائلها الحديثة تختفي وراء أسماء وهمية ، وأسلاك شائكة لا تستطيع أن تراها .. أهي من القردة أم من الديدان .. في كل مرة تخرج إلينا العناكب عبر الشبكات تشتم وتلعن وتمنح الأوسمة لمن تشاء.. وعندما تـُـحاصر بالحقيقة تـُطلق شعارها الممجوج (والله ما أحنا فاهمين أشي) أو (ههههههه) أو (ولّــعــت) أو (سحج) .. مفردات لا تعرفها إلا الجرذان.
حاولتُ أن أخاطب هؤلاء العناكب بشكلٍ مباشر في حوار واعي ومسئول وعبر شبكاتهم .. لكن التعصب والشللية كانت ولا تزال هي المهيمنة .. لماذا .. ! أتحداهم أفراداً وجماعات أن يقدموا لنا حلاً منطقياً وواضحاً وقابلاً للتحقيق .. (واللّي فيهم ساهم في كنْس قوات الاحتلال عن أي جزء من الأراضي العربية ، وقاتل قوات المارينز في الفلوجة ، وقتل من قتل وسحل من سحل ، أوقفز بطائرته الشراعية الى شمال معشوقتنا فلسطين كخالد أكر أوعبَر مسلحاً في قاربه الصغير «قارب الحرية» سمير القنطار ، لأنهم عرباً ووطنيين ومقاومين .. فليقدم نفسه حتى ننحني له).
في لعبة القط والفأر .. يُحكى أن قطً  شاهد فأراً ، وبحُكم الغريزة وحكْم الصراع المستوطن في داخلهم أصيب الفأر بالهلع وولى هارباً .. لاحقه القط بضراوة فأصطدم الفأر بالجدار فأنقض عليه القط بمخالبه وأمسك به وقبل أن يلفظ الفأر أنفاسه قال للقط وهو يعاني من روح الهزيمة كان بإمكاني أن أكون أسرع .. فأجابه القط كان عليك تغيير الاتجاه لا أن تكون أسرع.
• الحقيقة هي أول ضحايا الحروب.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «703»     التاريخ : 27/12/2010     سامي السيد

السبت، 25 ديسمبر 2010

مداخلة على قناة الجزيرة

المداخلة التي تمّت على موضوع بروح رياضية على قناة الجزيرة الفضائية حول موضوع أحداث القويسمة عقب مباراة الوحدات والفيصلي بتاريخ 10/12/2010.


الاثنين، 20 ديسمبر 2010

الرجل .. الذي كان هُناك



 

الحِراك الشعبي والنيابي الذي ترافق مع الأحداث المؤسفة التي تعرّض لها جمهور الوحدات في ملعب القويسمة حِراك محمود والتضامُن المنقطع النظير من أنديتنا ومنظّمات المجتمع المدني بأطيافها وألوانها كلها عبّرت عن رغبة أكيدة بضرورة إجراء تحقيق عادل وشفاف ينالُ منها المخطئ جراءَ خطيئته ويُعاد للمظلوم حقّه وكرامته ، لم يتوقف الأمر عند ذلك ، تعالت الأصوات ، منها العاقلة ، وأخرى الجاهلة لا ترى أبعد من أنوفها ، إستمر الحِراك وإلتقت أمس إدارات الأندية تمثل البلاد بطولها وعرضها ، فمن منشيّة بني حسن الى منشيّة بني حمّور ، الكرمل ، والجليل ، والعربي ، وإتحاد الرمثا ، والسخنة ، نواب حاليون وسابقون من كل الأطياف ، كانوا هُنا للإعراب عن وقفتهم وتضامنهم مع نادي الوحدات في مِحنته الإخيرة.
تحدّث الجميع ، وضعت المشكلة ومقدّماتها وأسبابها وكيفية الحلّ على الطاولة ، حُرّية التعبير مُصانة هُنا ، فلا مكان للقمع والهروات ، الوحدات كان دائماً وسيبقى واحة للحرية والديمقراطية والإنسان ، واحة للوطن.
البحث عن الحلّ هو الهدف ، يجب وقف التدهور في العلاقات بين النادي من جهة ، والسلطة من جهة أخرى ، حوارنا يجب أن يتسم بالوعي والمرونة والمسؤولية ، بدون تشجنّج ، وبدون أجندات.
غادرنا المكان كلٌ في طريق ، إتجهتُ للإلتقاء بصديق لعلنا نجد فيلماً يُناسب المرحلة ، الأفلام المعروضة كلها «أيّ كلام» في إنتظار أعياد الميلاد ، إحتسينا ما تيسر من الشاي والقهوة دعانا إليها صاحبنا مدير المكان وسيّده ، تركناه لإرتباطه بموعد مع أعز الناس إليه ، هرولنا نحو القاع في تلك الليلة التي إستوطنها البرد ، وعقارب الساعة تلهث نحو المنتصف ، رُحنا نتجول في الساحة طولاً وعرضاً ، أهلكني صاحبي بصراخه المستمر بشأن مسألة كانت موضع بحث ، راح يتندر على الآخرين ، ويسخر منهم ، لم يعجبه أحد ، اعتقاداً منه أنه فوق الجميع ، رُبما لديه بعض الحق ، فتميّزه عن الآخرين سلباً وإيجاباً مسألة لافتة ، فالرجل لا يُساوم ، يُحب المكان لدرجة العبادة ، لم ينظر إليه يوماً ما كمنطلق لكرة القدم ، بل مكان مقدس وصاحب رسالة كما يقول ، يتصدّى للصغيرة والكبيرة بنفس الإنفعال ، بنفس العُنف.
يراه الآخرون كما يراهم ، مغروراً ، مُتعالياً ، متعصّباً ، فجّاً ، ثمة بعض المبالغة والمُغالاة بما يقول ويُقال عنه ، لكن الحقيقة أنه يتميّز عن الآخرين بإخلاصه اللامحدود لمن يُحب ، ولمن يعتقد أنه أهلاً لذلك ، مستعد لأن يخوض أعتى الحروب بعيداً عن النتائج إذا ما تشكّلت لديه قناعة ما.
راح يتهمني بمجاملة هؤلاء «الدون» الذين لا يستحقون مني أدنى درجات الإهتمام ، أضحك حيناً ، وأُزمجر حيناً آخر ، من تطرفه ، ظلَّ يطرق رأسي والبرد القاسي يفتكُ بي ، من شدّة إنفعاله لم يشعر بالبرد ، رغم كوننا «قُرعان» ، إنصرف بعد أن إعترف أن البرد شديداً والمسألة لا تستحق كل هذا الصقيع.
البرد القارص بجوار «مكّة مول» أعادني للوراء ثلاثة وثلاثون عاماً ، الزمان : أواخر كانون الأول 1978 ، المكان : ستاد عمّان الدولي ، الحدث : مباراة بين فريقي الوحدات الصاعد حديثاً ، ونادي الجيل الذي تصدّر لفترة وجيّزة مقدمة الأندية في الأردن ، المواجهة حامية ، ومع صافرة النهاية إنقض بعض لاعبي «فريق الجيل» بالضرب على «باسم تيم» حارس الوحدات ، فهبَّ لنجدته غسان جمعة ، لم أستطع أن أكون مُحايداً ، إنغمستُ في العراك ، تدخلت الشرطة ، ساقتنا نحن الوحداتيون الى مديرية شرطة العاصمة في العبدلي ، زجّوا بنا في غياهب «النظارة» التي كانت في إنتظارنا ، كُنا خمسة ، لم يُعتقل أحد من الجيل ، لم تكن المُعادلة متوازنة ، أحد أطراف النزاع رغم قلّته العددية يملك كل شيء ، المال والسلّطة ، الطرف الآخر رغم كثرته لا يملك من أمره شيئاً ، تحرك الرجل ، استنفر حواسه ، استنفر معارفه ، استنجد بالآخرين ، أثار حميّتهم ، إستفز فيهم روح القبيلة ، تحقق التوازن ، مع كل صباح يأتينا الرجل ، يحمل إلينا ما نُريد ، لا يغادر المكان إلا نادراً ، يحضر إلينا في المساء يحمل معه ما تيسر ، تدخلت القبائل والأعراب ، طالبوا بالعدل والمساواة ، يجب إحضار الجميع هُنا «للنّظارة» ومثولهم أمام العدالة ، أو إخلاء معتقلي الوحدات فوراً ، أمضينا خمسة أيام باردة في «النّظارة» القميئة ، لم يتركنا الرجل ، لقد تحقق له ما أراد ، فالرجل كان دائماً هُناك ،
] رحِمَ الله عمر غنّام ، والصحّة والكرامة لصانعي تلك المرحلة المجيدة في مسيرة نادي الوحدات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «702»     التاريخ : 21/12/2010     سامي السيد

الاثنين، 13 ديسمبر 2010

«جندرما» في الملعب




ما حدث بعد المباراة بين فريقي نادييْ الوحدات والفيصلي يوم الجمعة الماضي ، حدثٌ كبير يجب التوقف أمامه بدقّة .. فالمباراة إنتهت نهاية طبيعية ولم تشهد أيّة حوادث أو إستفزازات من جانب الفريقين .. جمهور الفيصلي غادر الملعب بعد صافرة النهاية منعاً لأي إحتكاك كما هو متفق عليه .. جمهور الوحدات يحتفل بطريقته بفوز فريقه الذي قطع نصف الطريق نحو القمة ، متقدماً بفارق مُريح يؤشر الى أن بطولة الدوري قد عادت أدراجها الى العرين الأخضر .. فجأة .. وبدون مُقدمات إنهالت قوات الدرك وبأسلوب عنيف إستوطن في رؤوسهم منذ زمنٍ بعيد ، فبدون حوار .. أو طلب من الجماهير بمغادرة المكان ، إنهالوا عليها صغيرها وكبيرها «وبالهروات» مما أدى الى «تكوّم» آلاف الناس أسفل المدرج ، هرباً من «القناوي» وخشية من الإصابات .. هذا الإزدحام ، والضغط الهائل من طرف الجماهير أدى الى إنهيار الشبك الفاصل بين المدرجات ، وأرضية الملعب .. الصُدفة وحدها .. وكثيراً من الحظ .. هي التي حمت الناس من موت مُحقق ..
رغم ما حدث من مأساة لم تتوقف «الهراوات» بل إزدادت ضراوة ، وكأن الحل يكمن في العُنف وحده .. ولا حل غير ذلك ، لا الهدوء ولا إستيعاب الناس ولا التعامل معهم كبشر .. المدرسة هي ذاتها مدرسة العُنف والقهر والأذلال.
سلوك رجال الدرك هذا لم يكُن إستثناء .. فطوال السنوات التي أُسندت لقوات الدرك مهمة الحفاظ على الأمن الجماعي .. لم تكن هذه القوات جزءاً من الحل .. بل أصبحت هي المُشكلة .. فقد ظلّ التعامل مع التظاهرات والإحتجاجات والإعتصامات بنفس العقلية ونفس النهج مهما إختلف شكل ولون الطرف الآخر ؟!
صحيح أن العُنف لم يقتصر على جماهير نادي الوحدات وحده ، بل تعداه الى جماهير أندية أخرى ، بما في ذلك أنصار النادي الفيصلي ، كذلك النواب .. والمتظاهرين .. والمحتجّين .. على إختلاف أصنافهم وألوانهم .. ولكن الصحيح أيضاً ، أن أنصار الوحدات يتعرضون للعُنف والتعسف بكثير من المغالاة وكأن هؤلاء المواطنين أقل شأناً من الآخرين ولا نصير لهم ، ويسهل التعرض إليهم .. وقمعهم .. دون الإحساس بالخوف من المساءلة.
فالدركي بالمحصلة .. إنسان ومواطن من حقه مشاهدة كرة القدم .. ومن حقّه أيضاً أن يشجع فريقه المفضل فيصلي كان أم منشية ؟! ولكن عليه أن يفهم أنه هنا لحفظ الأمن بعيداً عن مشاعره الخاصة به ففوز فريقه أو خسارته ليست هُنا موضع وظيفته .. وعلى الجهات التي تدير وتُشرف على هذا الدركي أن توضح له مهمته بشكل جلي بعيداً عن الإجتهاد والمُيوعة .. كما عليه أن يحافظ على الأمن والنظام وأن يتسم بالحياد والموضوعية والمساواة وعليه مساعدة الآخرين لأن هذا جوهر وظيفته لا قمع الناس.
في الماضي القريب .. في الزمن العُرفي .. كان «البُعبع» جهازاً آخر .. هذا الجهاز طوّر أحواله وثقّف منتسبيه وزج في صفوفه المئات من الكفاءات الذين يتلقون الدورات الواحدة تلو الأخرى في أصول التعامل مع الآخرين ، بحيث أصبح المواطن لا تعتريه مشاعر الخوف والفزع عندما يذهب لمراجعة ذلك الجهاز ، ولعل في ذلك حكمة لقوات الدرك وغيرها .. في بلدنا حتى القُضاه المتعلمين والمتخرجين يتلقون دورات في فنّ التعامل مع المتهمين.
قد لا تُعجب وجهة نظري هذه الكثيرين من المسؤولين في الدولة والنادي على حدٍ سواء ورُبما في الشارع أيضاً .. المُشكلة ليست فيما حدث يوم الجمعة .. بل في الإحتقان المُزمن في وجدان الناس .. كل الناس وكأن الدولة في واد والناس في وادٍ آخر .. لقد أصبحت كرة القدم هي المتنفس المتاح للناقمين والمقهورين والمأزومين والمهزومين من جهة ، ومن جهة أخرى للحاقدين والمستفيدين والمغالين في التطرف.
كيْ نتصدى للأزمة المستوطنة في أعماق المواطنين في بلدنا علينا أن لا نعالج الإحتجاجات بأسلوب بوليسي فظّ بل البحث في جذور المشكلة وأسبابها .. هذه الجذور العميقة المترسخة في أعماقنا نتيجة الظُلم والتعسُف والإحساس العميق لدى المواطن البسيط العادي أنه مستهدف على الدوام.
الحلّ تحقيق العدالة والإحساس بالمواطنة .. وبناء مواطن جديد .. يؤمن بالوطن .. ومستعد للدفاع عنه أمام المحن والمخاطر.
وكي لا تكون حياتنا وقفاً على جندرما في المنزل .. جندرما في الطرقات .. جندرما في الملعب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «701»     التاريخ : 14/12/2010     سامي السيد

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

أتركوا الحمار وحيداً




ظلّ يعتقد على الدوام أنه «حالة» .. ظروف الفراغ السائد في المكان .. هجرة وعزوف الأخيار عن البقاء والمشاركة .. مغادرة الأقوياء بحُكم ظروف خارجة عن السيطرة .. البحث عن الصغار تغلغلت وترسّخت في المكان.
الأغبياء والحمقى والمجانين هم الخيار المفضل لأولي الأمر .. لا كلفة باهظة لمثل هؤلاء .. فأحسنهم حالاً .. «روح روح .. تع تع» وبصريح العبارة يعني «طراطير».
هؤلاء عندما تعلفهم .. شعيراً كان أم تبناً .. لا فرق.. يقفون بالساعات في إنتظارك على الأبواب .. وربما على أطراف المُخيم .. يتراكضون من أمامك ومن خلفك وهم لا يفقهون .. حوار صريح وإنساني مع صديق مُهيمن في المكان .. له دورٌ محوري .. دوره هذا .. «إختطفه» .. بفضل إمكانياته الكبيرة .. ورغبته وسخائه في إستخدام هذه الإمكانيات بشكل مُفرط .. في معرض التندُر على هؤلاء القوم .. قال .. أخونا فلان .. مِن أحسن العناصر لشغل منصبه هذا .. قُلت .. كيف ؟ .. ولماذا ؟ .. فالرجل بلا إمكانيات إدارية أو فكرية .. وتكاد لا تراه أو تسمعه من ضحالة إمكانياته .. لا يُتقن شيئاً على الإطلاق .. ولا يحمل أيّة وجهة نظر .. لا يستطيع أن يُدافع عن أي فكرة ، وأفضل أحواله عندما يظلُّ صامتاً ؟! .. ضحك صاحبي طويلاً .. كاد أن يسقطُ من على مقعده من شدّة هستيريا الضحك .. قال وهو يترنح من الإنشراح .. هذا النموذج الذي أرغب في التعامل معه .. فهذا النوع من الناس .. تقول له السماء سوداء .. فيقول «نعم» السماء أكثر سواداً .. هذا الكائن مريحٌٌ للغاية ولا يحتاج لإجهادك في إقناعه في أي مسألة ما .. فما عليك إلا أن تدُس يدك في المحفظة .. وتُعطيه ما تيسر من المال لتسديد قسط السيارة .. أو الشقّة .. أو لتسديد إشتراكات عضويته عن دورة كاملة .. هذه العضوية التي تباع ليلاً نهاراً .. سرّاً وعلانية ولأكثر من شخص واحد .. «فبابا نويل»  متواجد بكثرة هذه الأيام .. والسيارة جاهزة على الدوام لنقلهم أفراداً وجماعات .. لإحتساء الشاي والقهوة عند هذا و ذاك من الباحثين عن دور .. أو لتلقي هدية ما .. من المانحين.. فلا يهم أن كانت نقدية أو عينية .. فكثيراً من السمك والبلح ما يُسعد القلب .. لم يقتصر الأمر على «بابا نويل» بعينه .. فدخل على الخط «باباوات» كثر من أصحاب المال والأعمال .. يطرقون الأبواب بقوة بأيديهم وأرجلهم .. فدفاتر الشيكات جاهزة  ولا يزعجهم إن كنت تريد عطاياك نقداً .. إمعاناً في السرية , فهم على الدوام جاهزون .. يدعونك لأشهى الولائم وأرقى الأماكن التي لم تكن في حُسبانك يوماً ما .. هؤلاء «الباباوات» دخلوا «بقوة» على الخط .. يملكون كل أدوات اللعبة .. سيارات فاخرة لتكريس هيبتهم .. سيارات أُخرى إضافية للإعارة كلما إقتضى الأمر .. رصيد كبير أودع في تصرف أحدهم لكي يُفتح له المكان من أوسع أبوابه .. فالرجل حققّ مكانه تحت القُبة .. بنفس الطريقة .. بنفس الأسلوب .. بنفس الأدوات .. «الباباوات» يتصارعون .. في سباق مع الزمن .. الكل يُريد قطع الطريق على الآخر .. أما الغلمان فهم جاهزون يعرضون بضاعتهم وخدماتهم لكل من يدفع .. يضلّلون القادم الجديد ويوهمونه بقدرتهم الفائقة على الإنجاز .. فتاريخهم طويل في الوقوف أمام المكان لنصرة هذا في مواجهة ذاك مقابل أجر معلوم .. وآخر غير معلوم «تحت الطاولة».
في هذا المناخ المتخم بالفساد والفاسدين .. وجد صاحبنا نفسه فجأة يجلس في مكان أكبر منه ومن أمكانياته .. وبموقع لا يستطيع أمثاله أن يشغروه في ظروف طبيعية خالية من الفساد والسُلطة والمال .. صاحبنا هذا لم يصدق نفسه .. راح يشتم هذا وينعت ذاك .. يكذب ..يستغيب الناس .. كل الناس .. يتوهم البطولة .. يتهجم على الآخرين في مجالسه التي تزدحم بأمثاله .. يفتعل المشاكل على الدوام .. لم يسلم أحد من شروره وأذاه .. المشكلة أنه يعود ويتنصل من كل أفعاله ويحمل فُرشاته الطويلة  للمديح .. يفتعل المتاعب وهو أقل الناس قُدرة على مُجاراتها ، فحياته بائسة أو تكاد .. لم تتحسن أوضاعه إلا بفضل هؤلاء القوم الذين ينال منهم الآن .. والآخرين سوف ينال منهم عندما تنتهي حاجته .. يعتقد وجماعته أنهم رقماً ذو قيمة .. والحقيقة .. أن وجودهم جاء صدفة .. بفعل تعهد وإلتزام أخلاقي.
أما الذين يصفّقون الآن  لحالة الهياج والجنون هذه .. فعليهم «ترك الحمار وحيداً».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «700»     التاريخ : 7/12/2010     سامي السيد

الأحد، 28 نوفمبر 2010

أسعد .. سعيد .. مسعود

 00017z.jpg



في هذا العالم الواسع الشاسع .. في هذه الدنيا .. بكل ما رحبت .. تعرفت إلى أصناف كثيرة من البشر .. منهم الصادق .. منهم الشجاع .. منهم الحكيم .. والحليم .. والكريم .. ومنهم الكاذب .. المنافق .. المنتفع .. والأفاق .. وفي الحالتين .. كنت أرى الأمور طبيعية .. فهذا هو حال الدنيا ..
غير ان الذي ظل يفاجئني .. بل ويصعقني .. هو إحساس بعض الناس .. ان بإمكان المرء .. ان يكون أسعد .. سعيد .. مسعود صديق العالم كله .. وكلما واجهني شخص من هذا القبيل .. او كلما تعرفت إلى شخص من هذه النوعية .. كنت أصاب بالخيبة .. والإنكسار .. لأن أمثال هؤلاء الناس .. غريبون .. عجيبون .. لا يعرفون عن الحياة الكثير ..
أسعد صديق محترم .. مؤدب يقدر الناس كل الناس .. مستعد لتقديم العطاء .. بأنواعه كافة .. ولعموم الناس .. وبدون منّه او جميلاً .. يتعامل مع الآخرين .. ببساطة وطهارة متناهية .. لدرجة انك تحسبه «غريب ديار» .. كلما إلتقيته كان يوجه النصح لي .. بضرورة إستخدام المفردات اللائقة .. والهادئة .. بل والمؤدبة .. والجميلة .. لا يحسن الشتم .. والشتائم .. أو التجريح .. او الإستغابة .. وشعاره (وجادلهم بالتي هي أحسن) ..
في الآونة الأخيرة .. وبعد ان إحتك بالمكان .. وطبيعة المكان .. ورواد المكان .. أصبحت المفردات القاسية .. هي صولجان قاموسه .. وصفوة مفرداته ..
سعيد صديق آخر .. كبقية خلق الله .. بسيط .. مخلص .. لقناعاته .. ولأصدقائه .. شريطة ان يبادلونه نفس الإخلاص .. ويزيدون .. يظن وبكل جوارحه .. انه بإمكان الإنسان ان يكون أسعد .. سعيد .. مسعود .. فكلما رأيته يرهقني بالتحدث عن تناقضات أصدقائه .. وانهم من إتجاهات شتى .. ومتناقضة بل .. ومتناحرة أحياناً .. وكلما حدثته عن عدم إمكانية تحقق هذا الأمر .. كان يقول «انه صديق لكل الناس» .. وبعد ان عاش تجارب بعينها .. ومر بمحن صغيرة .. أدرك بحسه الفطري الباحث عن (.....) .. ان ثمة إستحالة ان يكون المرء .. أسعد .. سعيد .. مسعود ..
اما صديقي مسعود .. فقد ظللت أعاني كثيراً من علاقاته .. وتنوعها .. وإتساعها .. وتناقضها .. فتراه يسير في مظاهرة برفقة أصدقاء له .. من نمط خاص تندد بأمريكا رأس الأفعى .. وقوى الطغيان .. والشيطان العالمي .. وربيبتها (.....) وبعد سويعات تجده يجلس في مكان دافئ .. في عز الشتاء .. يقلّب أرجيلته .. يمدها بكل ما يتيسر .. ويغذيها بكافة أنواع التبغ .. وغيره .. بغية الوصول إلى النشوة .. مع شلة أخرى .. من طراز مختلف .. شعارها «علفة شعير وعلى الدنيا الهلاك !!»
أخيراً وصل صاحبي إلى قناعة .. وبعد معاناة .. انه يستحيل عليه .. وربما على غيره ان يكون أسعد .. سعيد .. مسعود .. صديق العالم كله ..
آه يا أصدقائي .. كم عانيت .. من الظلم .. وعدم التفهم للواقع .. تتهمونني  بأني متعالٍ .. متعجرف .. فج .. ولا أحسن التعامل مع الآخرين .. الآن جاء دوركم .. لقد تغير الحال وانني لناظر ما سوف تفعلون .. وفي يقيني أن أسعد سعيد مسعود..
محض خيال ولا وجود له في الواقع..



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «289»     التاريخ : 1/10/2002     سامي السيد

الإنسان والجريمة !!

 



ظل الإنسان على إمتداد الزمن مخلوقاً حائراً .. ومحيراً .. ورغم حيرته .. فقد شغل العلوم الإنسانية المختلفة .. دون ان تصل إلى نتائج قطعية لصيرورته .. فعلم النفس .. بذل جهوداً كبيرة .. بغية الوصول إلى كنه الإنسان .. وحقائق حياته .. إن حول طبيعته .. تكوينه .. مزاجه .. إنفعالاته .. كذلك الحب والكراهية في حياته ..
رغم هذا .. ما أشرنا إليه من بحث مستفيض .. ودراسة معمقة .. إهتمت بالإنسان لم تصل تلك العلوم والدراسات .. إلى وضع نتائج شبه مؤكدة .. حول هذه المسألة او تلك .. وبخاصة ما يتعلق منها بدواخل الإنسان .. بل لامست جوانب سطحية وشكلية .. وبعيدة عن العمق .. فالإنسان كائن متغير بعواطفه وتصرفاته .. يرتبط مزاجه .. ومشاعره بمصالحه .. وإمتيازاته .. هنا وهناك .. إذ سرعان ما يشعرك بالحب العميق .. الذي لاحدود له .. وفي طرفة عين تنقلب الصورة فيغدو الحب شكلاً من الزيف .. أستخدم وحسب لتسويق الذات عند هذا .. أو ذاك ..
لكن الحيوان .. يمتلك مشاعر اكثر صدقاً .. فهو فطري .. لا يحسن الكذب والمداهنة ولا يضمر غير ما يعلن .. يتألم حين يجوع او يتعرض إلى العطش .. وبالتالي يحدد سلوكه .. بناءً على حاجات غرائزية .. جوعاً كان .. أم خوفاً .. أم برداً  ..
أما علم الجريمة فقد عجز هو الآخر عن تحديد ماهية الإنسان .. فالأبحاث الكثيرة ظلت عاجزة عن وضع حد نهائي لفهم سيكولوجية «الجريمة والمجرمين» .. غير انها أفلحت في تحديد ملامح قد تصلح أداة للقياس .. وتصلح أسلوباً لملاحقة (مرتكبي الجرائم) حتى وإن أفلتو لبرهة من الزمن .. طالت ام قصرت .. فملامح الجريمة واضحة .. وآثارها أكثر وضوحاً .. ونتائجها هي التي تحدد شكل الجريمة .. ومرتكبيها .. وما هي إلا هنيهة حتى يتم إلقاء القبض على الجاني ..
أخيراً توصل العلم إلى أبحاث جديدة في علم الجينات .. قادر على التصدي لكافة المشكلات الوراثية .. فنستطيع ببساطة أخذ عينة من هذا او ذاك .. لتحديد أصله الجيني حتى ولو كان .. الفرعون الأكبر ..
ما يميز (الإنسان الإنسان) .. عن (الإنسان الحيوان) الوعي .. والوعي وحده !!







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «285»     التاريخ : 3/9/2002     سامي السيد

الجدار ..

 



هاتفني صاحبي وهو يكاد يطير من الفرح .. طالباً لقاءً سريعاً .. ذهبت إليه على الفور .. ولما إلتقينا بادرته بالسؤال ..(خير إن شاء الله) .. قال : غداً سوف أكون في فلسطين !!؟ .. وهمس في أذني .. ها أنا أعلمك .. دير بالك على الأولاد !! .. قلت في نفسي .. اللهم نصْرّك .. فالرجل يحب الخلود والخالدين .. وربما يفعلها .. كما فعلها سلفه ورفيقه خالد أكر .. فينتقم من الصهاينة .. لكل هؤلاء الغلابا والمقهورين .. ويثأر لنفس الشهيد عماد مُغنيه .. ورحت أحدث نفسي .. ربما يفعلها ..
ولعل الرجل يذهب إلى قرية بلعين ويقود أهلها في مواجهة ساخنة هناك مع قوات الاحتلال .. ضد الجدار والمعابر والحواجز .. «فأبو الخُلد» أهل لذلك .. راحت الصور تلوحُ أمامي .. كلقطات من شريط سينمائي .. فشاهدت الرجل وهو يرتدي «الشورت» الأحمر .. و(الفانيله) الخضراء .. ويقفز كالفهد .. صوب الجدار .. حاملاً بين يديه علم الوحدات الأخضر .. وبقفزة واحدة وإذا به قد تسلق الجدار زارعاً علم الوحدات مُزداناً بشعاره فوقه وهو يهتف عاشت فلسطين حرة عربية .. الموت للغزاة ..
أما صاحبه ميسور الحال فقام بشراء بلدوزر عملاق «همر» .. من حر ماله .. وراح يقوده بنفسه صوب الجدار .. ويقوم بضربه هنا وهناك فيفتح الثغرة تلو الثغرة .. ثم قام بملاحقة جنود الاحتلال بآليته .. وهم يفرون أمامه كالخراف .. مما أعاد إلى ذاكرتنا صنيعة السينما الأمريكية «رامبو» .. كيف لا وصاحبنا .. شعاره المُفضل .. (الحياة وقفة عز) ..
وأمام المشهد المهيب .. راح أهالي قرية بلعين يهتفون (عليهم .. عليهم) .. (وحداتي ما بروّح إلا الراية مرفوعة)..
نهضت من النوم من شدة الفزع والفرح .. مذعوراً .. كيف لا .. ورفاقي في خطر .. ربما اعتقلهم الصهاينة .. .. أو حصل لهم أي مكروه .. ربما نالوا الشهادة .. على الفور .. خطفتُ هاتفي .. ورحت أبحث عنهم في كل مكان .. ولا من مجيب (لا تندهي ما في حدا) .. فازداد قلقي .. وشغفي لمعرفة ما حدث .. فاتصلت على الفور .. بصديق لي هناك .. وأبلغته بضرورة البحث عنهم .. وفي كل الأماكن .. ليوافيني بالخبر اليقين في أقصى سرعة .. وبعد ساعات هاتفني الرجل المكلف قائلاً : أصدقاؤك ينعمون بالأمن والرفاهية وآخر حلاوة .. فسألته أين هم الآن .. فقال في كازينو أريحا .. وراح الرجل يصف لي المكان بدقة .. قائلاً : صاحبك ميسور الحال يجلس منفرداً على حافة طاولة عملاقة خضراء اللون .. تشبه ملعب كرة القدم .. وبجانبه تقف امرأة جميلة ممشوقة القوام .. تقوم بخدمة صاحبنا الميسور .. وترتب له (فيّش) اللعب .. وصاحبنا الآخر يرقصُ كلما لاحت في الأفق مكاسبٌ جديدة .. وفي ذروة انسجامه جاء إليه أحد أبناء العمومة ليشاركه اللعب .. فرفض صاحبنا بشموخ !! معتذراً أنه يحب اللعب منفرداً .. وكلما انتهى شوط تنحني المرأة للقيام بالخدمات المعهودة من جديد تاركةً قلادتها الذهبية تتدلى على صدرها .. أهداها للتو صاحبنا   كعربون محبة وفالِ خير لمشواره المعهود .. نُقشَ عليها بعناية شديدة (الحياة وقفة عز).
أفهم لماذا يبقى البعض في المطارات العربية والمعابر والحدود لساعات طويلة .. وأفهم أيضاً لماذا تُنجز جوازات البعض في لمح البصر في تلك المعابر والحدود ..
من كازينو لبنان إلى كازينو أريحا والعكس بالعكس ..




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «560»     التاريخ : 19/2/2008     سامي السيد

الرأس !!


 


البعض يتفاخر أنه أطاح بالرأس الكبير  .. على إعتبار أن هذا الرأس .. ديكتاتورياً .. متسلطاً .. منحازاً .. متعجرفاً .. ومغروراً ، والأهم .. أنه يمتلك «أيدولوجيا» .. وهنا الطامة الكبرى .. التي طالما أزعجت هؤلاء وغيرهم ..
الغالبية الساحقة من الذين تطاحنوا مع «الرأس» .. لهم أيضاً «أيدولوجيا» معادية .. إما مضادة .. وإما فاسدة  .. أما أصحاب الأيدولوجيا المضادة .. فلهم كل الحق في الفرح والبهجة .. بسقوط الرأس الذي لم يحفل بهم .. ولم يساومهم .. ولم يعرض عليهم أي سعر أو مقايضة .. بل تجاهلهم تماماً .. وأدار الظهر لندائاتهم .. ناشدوه .. تمنوا عليه .. وإتصلوا به مراراً .. وتكراراً .. عارضين خدماتهم لحمل المعركة .. ولكنه أبى .. وإستكبر .. وبعجرفة لأنه على حد تعبيره «مش شايف جورج بوش»..
أما أصحاب الأيدولوجيا الفاسدة .. فموقفهم معروف منذ أمد بعيد .. وحلمهم .. وهاجسهم .. إسقاطه بكل الوسائل .. شرعية كانت .. أم غير شرعية .. أخلاقية كانت .. أم غير أخلاقية .. بقوانين عرفية .. وغير عرفية .. المهم إسقاطه .. ولأن الطريق كانت موصدة .. فإن الحل أن لا تجري الإنتخابات .. وأن يتم تشكيل لجنة مؤقتة يكون للفساد فيها .. مرتعاً .. وأن يفشل «الرأس» .. في توفير الضريبة المطلوبة .. «النصاب» .. فيقع المحظور .. وتصادر الحرية والديمقراطية ..
من حق هؤلاء أيضاً .. أن «يصهللوا» .. فرحاً بما آلت إليه الأحوال .. خاصة وأن الرأس قد قطع عليهم الطريق .. وأسقط خياراتهم المتشبثين بها .. حتى لحظة توفر النصاب .. فأسقط من يدهم ذاك الخيار .. الذي ظل يلازمهم حتى اللحظة الأخيرة .. بعدما فعلوا ما بوسعهم .. لإفشال النصاب .. ولكن هيهات .. فالحرية والديمقراطية .. إنتصرت .. وكان الثمن باهظاً..
للوهلة الأولى .. يظن المراقب .. أن النتيجة لا تناسب «الرأس» .. ومخططاته .. وهذا صحيح الى حد ما .. ولكن الأكثر صحة .. أن هذا الرأس الذي هوى .. قد حلّ مكانه رأسٌ من نفس المقاس .. ونفس اللون .. ونفس العناد .. ونفس التوجهات .. و«الايدولوجيا»  .. اللهم أن الأخير أكثر نعومة .. وأطيب سلاسة .. ولديه القدرة على الإحتواء.
إيماننا عميق لا يتزعزع .. ولا يقبل المساومة .. بأن التغيير قادم .. لا محالة .. وأن المنشآت سوف تستكمل في موعد قياسي .. وإن المشروعات الإنتاجية سترى النور .. كما كان مخططاً لها .. وأن النادي سيشهد ربيعاً من نوع خاص .. لأن «الرأس الجديد» .. أكثر قدرة .. وأكثر دراية .. وأشد حماساً في شؤون التغيير والتطوير.
سنقف خلف «رأسنا الجديد» .. لأنه خيارنا.
الرأس القديم والرأس الجديد .. هما وجهان لعملة واحدة..







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «516»     التاريخ : 10/4/2007     سامي السيد

الرسالة


 

أطلت علينا الذكرى الشريفة لمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. في ظروف تحياها الأمة العربية والإسلامية .. من أقصاها إلى أقصاها .. بالغة الصعوبة .. والبؤس .. والإذلال .. والتعقيد .. فالفقر مستشرٍ .. والمرض منتشر .. والجهل .. والتعصب لا يترك ركناً إلا ويسكنه .. أما عن الهيمنة الخارجية وظلالها السوداء القاتمة .. فحدث ولا حرج .. فلا احد مهما عظم شأنه يستطيع البوح مجرد البوح بما يدور في خاطره .. فالجميع سواء بسواء .. حكاماً .. ومحكومين .. يعيشون لحظة غيبوبة .. وفقدان توازن ..
في مثل هذه المناخات والأجواء كان العالم يرزح تحت هيمنة .. فارس تلك القوة الطاغية في الشرق .. وروما تلك القوة العدوانية المتغطرسة في الغرب .. الجزيرة العربية يسودها التفكك .. التعصب .. الجهل .. الصراع .. الإنحطاط .. في ذلك العصر ولد الرسول الأعظم محمد بن عبدالله في مكة .. ومنذ اليوم الأول لولادته الشريفة .. راحت تهل على القوم البشائر .. فالنور راح يعم أرجاء مكة .. والعباد أخذوا يتنفسون الصعداء .. يشعرون بالراحة والطمأنينة .. ينتظرون حدثاً «ما» يحسون به دون ان يروه او يتلمسوه ..
وما ان يفع وإشتد عود النبي .. أخذ يتجول في أسواق مكة وشوارعها .. حتى شرع سكان أم القرى يتوسمون الخير .. ويستبشرون بالقادم من هذا الرجل الصادق الأمين ..
وشيئاً فشيئاً .. وبفطرته المجبولة على الأمانة .. والإخلاص .. والصدق .. وحب العباد .. باشر النبي في حل مشكلات الناس وصراعاتهم القبلية المستعصية .. فحاز بذلك على ثقتهم .. وإحترامهم .. وحبهم ..
هذا يؤشر على ان الرسول الأعظم إمتلك صفات النبوة .. من طهارة .. وصدق .. وأمانة .. وتسامح .. وريادة .. قبل نزول الرسالة .. فقد كان يبحث في قرارة نفسه عن سر عظمة الوجود وخالقه .. غير عابيء بالمعتقدات التي كانت سائدة آنذاك ..
وجاءت الرسالة الإلهية .. لتجعل النبي يبدأ مشواره لتغيير الكون .. فالتوحيد .. وعبادة الله وحده لا شريك له .. كانت بداية الجهد من أجل إيجاد طليعة تقود المهام الكبرى التي تهدف إلى تغيير وجه الدنيا .. فتحطيم الأصنام .. وهداية عَبَدتها كانت مهمة تقع على عاتق النبي .. وأتباعه المؤمنين .. توحيد العرب على رسالة واحدة كانت مهمة عاجلة لتحقيق الأمر الإلهي بنشر الهداية والعدل .. بأسمى معانيها ..
إزالة الظلم .. والفساد .. والهيمنة .. عن مقدرات الكون من قبل الدول الكبرى آنذاك كانت على قائمة الأهداف التي سعى إليها النبي .. وأصحابه المؤمنون ..
وخلال سني حياته .. التي لم تتجاوز الثلاث والستين سنة .. أحدث الرسول الأعظم التغيير الهائل على الصعيد الكوني .. وأقام دولة الحق .. والعدل .. والإيمان على مساحة واسعة من الكرة الأرضية ..
اليوم .. ونحن نحتفل بذكرى المولد النبوي .. وبدلاً من أن نهتدي بنهج رسول الله .. وبرنامجه .. ونتبع خطاه .. نجد أنفسنا مستسلمين خانعين للغزو .. والهيمنة ..
نطأطأ رؤوسنا .. خوفاً وجزعاً .. ننحني لعدو طالما أضمر لنا الشر والعدوان .. نتلهى بنوافل امور الدنيا .. نلوك الماضي ولا حول لنا ولا قوة ..
كل ذلك .. بدلاً من ان نعقد العزم لتغيير وجه العالم ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «321»     التاريخ : 27/5/2003     سامي السيد

إسبتاحة وطن


 


حين كنا نقبع في السجون .. إعتاد مدرائها .. على مداهمتنا بين الفينة والأخرى وبدون إنذار مسبق .. وفي هجيع الليل وعلى نحو مباغت .. كان يُجهز فريق العمل من «مآمير الأشباك» والحراس .. وطواقم تلك السجون .. يعلن المدير حالة التأهب القصوى .. ويحمل عصاه تحت إبطه .. ويتجه مسرعاً صوب الداخل .. يشرع بمداهمة الغرف الواحدة تلو الأخرى.
تفتيش دقيق يثير القهر .. ويبعث على الإستفزاز .. ويؤذي النفس والوجدان .. سيما انه يتم تحت جنح الظلام .. والمعتقلون يغطون في سبات عميق .. ويستمر حتى الصباح .. كانوا يبحثون عن الممنوعات  .. زجاجة عطر .. رسالة حب .. كتاب ممنوع .. راديو «ترانزستور» صغير .. فرشاة أسنان .. شمعة .. خطاب تسلل عبر الحدود من الرفاق او ردٌ عليه كتب على عجل خوفاً من المداهمة ..
كانت المداهمات .. تعود بخفي حنين .. ذلك ان المعتقل يتوخى الحذر دائماً .. فيخفي كل هذه الأشياء .. في وجدانه .. او في تلافيف دماغه ..
وعندما لا يفلح طاقم التفتيش في العثور على مراده .. يتولى مصادرة الملاعق .. والصحون .. أو «فرشة» بائسة بحوزة هذا او ذاك .. وربما مصادرة بيضة .. ليس لهم من هدف سوى إظهار المزيد من القوة .. والبطش .. وإثبات الهيبة .. المهم ان يظل المعتقلون في حالة توتر دائم .. وإستنفار مستمر .. كجزء من حملة نفسية مرسومة ..
قرار مجلس الأمن رقم 1441 الصادر عن الأمم المتحدة بحق العراق .. يهدف إلى إستباحته .. العراق برمته مستباح .. رجال .. نساء .. أطفال .. رياضيين .. علماء .. الكل مستباح حتى العملاء .. وبائعات الهوى .. وراقصات الملاهي الليلية .. فعصابات التفتيش الدولية تجوب الأرض شمالاً .. وجنوباً .. جهاراً .. ونهاراً .. وتحت جنح الظلام .. في الجامعات .. في المصانع .. في قصور الرئاسة .. في الملاجئ .. في البراري .. تحت ظلال النخيل .. في المقاهي .. في الحانات .. في كل مكان .. تفتيش .. تفتيش .. تفتيش .. بحثاً عن (أسلحة دمار شامل) .. وردة هنا .. نخلة هناك .. طفل يحب الحياة .. المهم ان ينالوا من العراق .. وان يظل العراق في حالة توتر دائم .. غير قادر على الإبداع .. او إستعادة حيويته وإستقراره .. وبالتالي تقدمه وإزدهاره.
أيها السادة : كان العرب في الجاهلية يحفظون معلقاتهم .. وأشعارهم عن ظهر قلب .. لم تكن تلك المعلقات قد أودعت بطون الكتب .. او في أحشاء أجهزة الكمبيوتر .. وحين أطل فجر الإسلام .. حفظ العرب والمسلمون القرآن الكريم عن ظهر قلب .. لم يكن محفوظاً إلا في القلوب .. والعقول  .. لم تختفي منه سورة واحدة .. ولا حتى كلمة.
نقول للأمم المتحدة .. ولأمريكا ان العراقيين يحفظون أسرارهم في عقولهم وقلوبهم .. ومهما تعرضوا للتفتيش فلن تجدوا ضالتكم .. لأن ما يحفظه العراقيون الآن هو إمتداد للشعر العربي .. وإمتداد للقرآن الكريم .. ولا يمكن بحال من الأحوال التفريط فيه او نسيانه ..
صمت مشبوه يثير الريبة .. جحود .. تنكر .. خذلان .. ما أقسى التنكر .. والخذلان .. بعد العراق ليس بمقدور أحد ان يرفع رأسه .. ولن ينجو أحد ..
تفتيش .. تفتيش .. تفتيش .. العراق مستباح ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «301»     التاريخ : 31/12/2002     سامي السيد

قتيل المنصة

 



منتصف القرن العشرين .. مصر تعاني من الفساد والتبعية والإستعمار المباشر  الجاثم على صدور المصريين .. وكان من الطبيعي أن لا يستمر الحال على هذا النحو .. لأن قانون الأشياء لا يخضع بالمطلق لسيادة شخص..  أو فئة مهما تعاظم دورها .. فكان لا بد من التغيير .. لا بد من الثورة ..
في فجر الثالث والعشرين من تموز 52 ..  كان عبد الناصر ورفاقه يجوبون شوارع القاهرة .. ويضعون حداً لكل الترهات القائمة ... كان صاحبنا ليلتها في السينما برفقة زوجته الحسناء .. وكان ناصر وعامر وصدِّيق يغيّرون  تاريخ المنطقة .. ومع ذلك وجد صاحبنا مكاناً له في الصفوف .. بعد أن تحقق الإنتصار  والثورة ..
خاض ناصر ورفاقه أعتى المعارك .. من أجل الحرية والاستقلال .. وتغيير حياة المصريين (الغلابا) نحو الأفضل .. فتصدى للإقطاع والرأسمالية والعملاء أمّم قناة السويس لتمويل بناء السد العالي .. كي لا يجوع ويعطش المصريون .. وزع الأرض على الفلاحين .. أقام محطات الكهرباء في كامل الريف المصري ..بنى مئات المصانع دفعة واحدة .. أمّم البنوك والشركات التابعة للصوص والعملاء ..
كان لا بد من تصفيته .. فقامت الدول الاستعمارية بالعدوان الثلاثي على مصر .. من اجل استعادة الهيمنة على قناة السويس .. واسقاط عبد الناصر ونظامه واستعباد المصريين من جديد .. لكنه انتصر على العدوان بمساعدة القوى الحية في العالم .. واصبح زعيماً وقائداً ملهما للجماهير والفقراء ..
نهض المصريون بقيادة ناصر .. قامت اعظم ورشة بناء في العالم لتحويل مجرى النيل العظيم وبناء السد العالي .. شارك المصريين بكل اخلاص في مشروعهم الخلاق بكل ما اتوا من قوة .. أكثر من مليون عامل شارك بالعمل .. كما حفروا قناة السويس بسواعدهم (بالفأس والقفة) .. بنوا السد العالي وتحدوا قوى القهر والظلام..
استمر العمل أكثر من عشر سنوات .. اقيمت الطوربينات العملاقة لتوليد الكهرباء .. امتلأت بحيرة ناصر بالماء .. لم يعد المصريون يخشون الفيضان الموسمي ..
بلا مقدمات مات عبد الناصر .. تسلم صاحبنا (الرئيس المؤمن) دفة القيادة .. في لحظة شجن علم من حاشيته أن العمل في السد العالي قد إنتهى ، ولا بد من إحتفال مهيب أمام العالم ، ... ذهب الى هناك قص شريط الإحتفال أمام لوحةٍ عملاقة عند جسم السد كُتب عليها «أُنجز بناء السد في عهد الرئيس المؤمن جداً جداً».
في يوم مجده ومن على معشوقته «المنصة» تخلى عنه أصحابه الجُدد فقُتل لأنه لم يكن وفياً لرفاقه.







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «524»     التاريخ : 4/6/2007     سامي السيد

للذي فقد عقله

 



ثمة مسائل هيمنت على هواجس وأفكار الفلاسفة والباحثين منذ بدء الخليقة .. لم تجد لها إجابات أو حلول حتى الساعة .. ألا وهي «الإنسان» وقد تصدّى في العصور العابرة لتلك المسألة كبار الفلاسفة والمفكرين .. أفلاطون .. أرسطو .. لكن المسألة لم تُحسم بعد .. لم يقتصر الأمر على هؤلاء بل تعداه الى ما هو أشمل وأرقى : الأنبياء والرسل عبر التاريخ الطويل للبشرية ..
وانبرى كذلك في عصور النهضة الإسلامية فلاسفة كثر كبار .. الفارابي .. إبن رشد .. الغزالي .. البغدادي .. لوضع حدٍ لحالة القلق والأرق التي تُهيمن على حياة الإنسان .. لكنه بقي على حاله .. هائماً على وجهه .. تائهاً .. طريداً .. شريداً ..
من جديد حاول الفلاسفة المُبدعون .. هيغل .. ماركس .. سارتر .. كولن ولسون .. وآخرون التصدي لتلك المسألة والإنتصار للإنسان لتحريره من الخوف .. والقلق .. والغُبن .. وإنصافه .. لكنه كعادته مُنذ نشأته .. لم يهدأ .. لم يرضَ .. لم يستقر .. ولن يشبع «خُلق الإنسان في كَبَدْ».
في العصور الأولى .. عصر الرّق والعُبودية .. وعصر الإقطاع وسيادة المُلاك .. الى عصر هيمنة المرأة .. إستمر الجدل في المجتمعات والتجمعات .. والأمصار والأقطار .. لحل اللغز .. وملء الفراغ .. والإلتقاء على مساحةٍ وسط .. تُريح المتجادلين والمتصارعين .. لكن النفوس لم تهدأ .. واستمر الجدل بلا حدود .. وعلى طريقة أهل بيزنطة «الجدل من أجل الجدل».
في ذات السياق .. تم حشو الواقع بكمٍ هائل من الكذب .. وكثيراً من الإدعاء ..
في مجالسه .. وبين مُريديه ومُنافقيه .. يبتهج .. يتفرسن .. يزهو .. يفور كإناء يغلي .. يكذب على نفسه كما يكذب على الآخرين .. يقول مُخاطباً نفسه .. لقد وصلت .. لقد صعدت .. لقد إنتصرت .. لقد حفرتُ طريقي بأظافري وأسناني .. يتظاهر بالوقار والصدق والنزاهة .. يقول لقد بذلت الكثير من الجهد والوقت والمال .. لم يساعدني أحد .. فأنا معبود الجماهير وحبيبها .. لقد أفنيتُ عمري ووقتي ومالي .. في خدمة الناس .. وفي خدمة العمل العام .. ينظر الى حذائه .. يضحك في نفسه .. يعرف أنه لم يُكلف نفسه بالإنضمام الى هذه الرابطة أو تلك .. أو هذه الجمعية أو المؤسسة .. فقد قام بكلّ شيء آخرون .. لديهم مشروع مهم وهادف .. لكنه تمسكن حتى تنكر .. يشطبُ من ذاكرته كُل من قدّم له يدّ العون .. وساعده على الوقوف والمشي والقراءة والكتابة .. لكنه يُصر على شطب الذاكرة .. شطب الحقيقة التي تلاحقه .. والسيرة الذاتية لهؤلاء القوم الذين ساعدوه .. وساندوه .. وأيدوه .. حين كان نسياً منسياً ..
هو لا يزال كذلك .. بعد نزع مظلّة الحماية .. وحجب الرافعة التي كانت تأويه وتحميه ولكن الإنسان بطبعه ناكر للجميل «إلا من رحم ربي».
عندما يُخفق أحدهم لسببٍ ما .. ينتابه السأم .. واليأس .. ويغدو يُكيلُ التُهم في كل الإتجاهات .. يلاحقه الهوس يُداهمه الغضب .. ينتابه الهيجان .. يبحث عن المشاكل .. يفقدُ عقله.
للذي فقد عقله .. الأوغاد غالباً ما يبحثون عن الطريق الخطأ.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «665»     التاريخ : 23/3/2010     سامي السيد

ثمن الحرية


 


منذ ان تحكمت بصمائر الكون كيانات سياسية مستعمرة واغلبية شعوب الارض تدفع ثمنا باهظا لنيل حريتها واستقلالها في ظروف غير انسانية بالغة القسوة على غير صعيد، فقد خضعت هذه الشعوب الى برنامج منظم هدف الى جعلها دائمة الفقر، والتخلف كي يصبح استبعادها واستغلالها امراً سهلا غير مكلف.
هذا القرن الذي نعيش نهاياته شهد صراعاً مريراً بين هذه الشعوب المغلوب على امرها وبين تلك الكيانات السياسية، هذه الكيانات التي ما انفكت توظف كل تكنولوجيا الحرب المدمرة لجعل هذه الشعوب مطواعة لاهدافها السياسية والاقتصادية والامنية.
فالشعب الفيتنامي خاض صراعاً مريراً ضد المستعمرين الفرنسيين والاميركيين ونال استقلاله بعد ان ضحى بمئات الالوف من شبابه واطفاله وشيوخه ونسائه على مذبح الحرية، كلفه في النهاية احرز انتصاراً شهد له العالم بأسره.
اما الشعب الهندي فقد هزم الامبراطوية التي لا تغيب عنها الشمس حين جعل العصيان المدني اسلوبا ثوريا في مواجهة مستعمريه، قاطعهم، جعل بضائعهم مكدسة لا تجد من يشتريها فأفقد الانجليز احد اهم اهدافهم في استعباد الشعب الهندي، واخيراً انتزع الهنود استقلالهم بكل جدارة واحترام.
الشعب العربي في الجزائر واجه شكلا استعماريا اشد خطورة، فالبرنامج الفرنسي في الجزائر لم يكن يهدف الى استعمار الجزائريين وحسب وانما جعل الجزائر برمتها ارضا وشعبا جزءاً من فرنسا، اي ان الاستعمار الفرنسي كان استعماراً استيطانيا، كلف ارادة الشعب العربي في الجزائر وكفاحه المرير امام هذا الحلم الفرنسي اثراً بعد عين.
ومع ان الامثلة كثيرة، ولكل منها دلالاتها الخاصة، الا ان طبيعة المعركة التي يخوضها شعبنا العربي في فلسطين تكتسب فرادة متميزة عن غيرها، فثمة استعمار استيطاني صهيوني افلح في توطيد جذوره بدعم قل نظيره من الغرب الاستعماري، لان استهدافات هذا الاستيطان العنصري تتجاوز حدود فلسطين لتطال امة بأسرها من محيطها الى خليجها، وبالتالي فإن التضحيات الجسام التي يقدمها ابناء فلسطين ليست خارج سياق منطق الاشياء، فتحرير فلسطين ليس مهمة سهلة وبخاصة في ظروف الانكفاء العربي بالغ الانحطاط.
ومن الزاوية الرئيسة علينا ان نقول بصراحة ان ابناء فلسطين يخوضون معركة حقيقية نيابة عن العرب جميعا وكلهم امل ان تستثير انتفاضاتهم المتتالية روح النخوة العربية التي تعيش اليوم في سبات عميق!!..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «213»     التاريخ : 17/10/2000     سامي السيد

صورة !!

 


رن جرس الهاتف .. صديق عزيز على الطرف الاخر .. قال وبدون مقدمات : (بدك إشي من باريس) .. فوجئت وقلت .. مش معقول : باريس !! .. لماذا لم تخبرني من قبل .. متى ستسافر ..
قال : بعد قليل .. صمتُّ برهة .. ثم قلت : أحضر لي شيئاً من باريس .. قال : مثل ماذا .. قلت : مجسم لبرج إيفل .. قوس النصر .. إحضر شيئاً يشير إلى روح باريس ..
قال بلهجة فرحة : إلى اللقاء .. ومضى ..
مضت أيام .. كنت خلالها مشغولاً بأمور شتى .. أقارع الحياة وتقارعني .. أغلبها حيناً وتغلبني أحياناً .. كنت أجلس في مكاني المعتاد الذي أستقبل فيه أصدقائي كالعادة .. وفي لحظة لم أتوقعها .. دخل صديقي إياه .. فرحاً .. مصهللاً .. يحمل في يده صورة في إطار جميل أسود .. نظرت إليها .. إبتسمت .. قلت : ماهذا .. قال : هديتي لك من باريس وهي كما ترى صورة من تحب .. «تشي غيفارا» .. فقلت .. ياه .. هدية رائعة .. وهي أجمل مما كنت أتوقع .. جلس وتحادثنا عن باريس .. عن العام والخاص .. هنا وهناك .. وغادر..
ظللت انا والصورة متجاورين .. أنظر إليها بحب كبير وجيفارا يبتسم لي .. آه .. ما أروع تلك الأيام .. حين كان الثوار (منتصبين .. يملؤون الأرض ضجيجاً) .. لحظة صمت وتأمل ثم راحت (باريس) تجول في خاطري .. فهي مدينة متمردة في كل شئ .. ولكنها تقبع في وسط ساكن ..  فهذه المدينة تعرض صوراً لغيفارا .. بيسر.. وفخر .. إذن فهي مدينة مازالت تحتفظ وتختزن في ذاكرتها أيامها الثورية الخوالي .. ولم تتنكر لهذه «الخصلة الجميلة» والقصيرة من حياتها .. فباريس مدينة محببة إلي .. في شوارعها وساحاتها انبعث الحالم «هوشي منّه» ثورياً ومناضلاً .. قاد شعبه نحو التحرر والوحدة ..
المهم انني بقيت انا والصورة .. أتأملها .. وأتذكر الماضي القريب .. فغيفارا شهيد الحرية قد مضى .. داهمني «حزن صامت» وتساءلت : صديقي هذا أحضر لي صورة .. وذاكرة «تشي غيفارا» من جبال (سيرا ماستيرا) .. فمن سيحضر لي صورة زعيم الحرية الجديد النسر المحلق في جبال .. تورا بورا ..







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «283»     التاريخ : 20/8/2002     سامي السيد

زجالو .. والعلوج !!

 



طائرة المنتخب الوطني البرازيلي لكرة القدم تنتظر الإقلاع في طريقها إلى المكسيك لخوض مباراة ودية تجريبية بكرة القدم إستعداداً للإستحقاقات والبطولات القارية .. لاعبو الفريق (ريفالدو، رونالدو، رينالدينهو، روبرتو كارلوس، .. وآخرون .. الجهاز الطبي والإداري .. الجهاز التدريبي (كارلوس بريرا مدرب الفريق، العجوز ماريو زجالوا المستشار الفني للفريق يصعدون سلم الطائرة فرحين تغمرهم السعادة .. فهم يحبون المكسيك لأنها (فال حسن) بالنسبة لهم ..
مشاعر جياشة .. أحاسيس رقيقة تنتاب الجميع .. يمنون أنفسهم برحلة هادئة وادعة ميسورة .. راحت الطائرة تسير رويداً رويداً ثم غدت مسرعة على أرض المطار .. صعود قوي للطائرة نحو السماء ..
قبل وصولها إلى المكسيك هبطت الطائرة في أحد المطارات الأميركية .. السعار .. العبث المشحون والمجنون .. والخائف من كل بني البشر .. المسافرون على مختلف أجناسهم .. وألوانهم .. وقومياتهم .. وأديانهم موضع شك وريبة بالنسبة لهم .. رحلات الزائرين .. والمارين عبر أجوائهم وأراضيهم .. يتعرضون لتفتيش دقيق ومركز .. الركاب .. الأمتعة .. عُرضة للعيون الفضولية والفاحصة .. كذلك للأجهزة المتطورة .. يتفحصون كل شئ بفجاجة ظاهرة ..
العجوز (ماريو زجالو) ذو السبعين عاماً يمر عبر نقاط التفتيش المتعددة الواحدة تلو الأخرى .. جواز سفره يخضع إلى التدقيق .. بدون مقدمات .. العلوج يملأون المكان .. ثمة إستنفار قد حدث .. فجواز سفر الرجل ممهور بتأشيرة سعودية .. يا للهول ؟! .. فربما يكون الرجل على علاقة بأسامة بن لادن أو صدام حسين..
العجوز يخضع لإستجواب دقيق ومركز ومسعور .. ملامح أزمة تلوح بالأفق .. وبعد هرج ومرج أخلي سبيل الرجل ..
يعتقد البعض عندما أكتب مقالات تهاجم هذه «الأمريكا» .. سياسياً .. وثقافياً .. ومنهجياً .. أنني أتحامل عليها وإتهمها بما ليس فيها .. والحقيقة مهما كتبت ومهما كتب الآخرون عن همجية هذه الدولة .. لا نستطيع ان نوفيها حقها .. فهذه «الأمريكا» جاهلة في كل شئ .. فتقدمها العلمي هو نتاج سرقة عقول الآخرين من فقراء العالم ممن هجروا بلادهم .. تحت ضغط الحاجة .. والإغراءات المتعددة الأشكال .. والأساليب .. إذ أن أكثر من ثمانين بالمائة من علماء أميركا .. الذين بنوا مجدها ونهضتها العلمية .. هم من أبناء تلك الدول..
هل يعقل هذا السلوك؟! ماريو زجالو اللاعب المبدع في صفوف المنتخب البرازيلي .. والذي حاز معه على أكثر من بطولة قارية وعالمية كلاعب ومدرب .. ثم كمستشار .. والمعروف على مستوى المعمورة .. للفقراء .. والأغنياء على السواء .. هذا الرجل جاء على رأس فريق السامبا المبهر إلى الأرض الإميركية وإنتزع مع رفاقه كأس العالم لعام 4991 وعادوا به إلى بلادهم ..
هذا الرجل معروف ومحترم شأنه شأن بيليه ومارادونا وغيرهم من نجوم الرياضة .. ويحظى بالإعجاب والتقدير أكثر من العشرات من رؤساء الدول .. فهو يستوطن قلوب الرجال والنساء والأطفال من عشاق السامبا .. والذين أسعدهم وأبهرهم الفريق الكوني المفضل ..
سمات ترافق هذه «الأمريكا» ورجالاتها .. الغباء .. البلطجة .. الجهل .. العبث .. مقدمات ضرورية حتى يصبح المرء ذو شأن في هذه المسماه «أمريكا» ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «318»     التاريخ : 6/5/2003     سامي السيد

عبور

 


في الأسابيع الماضية كان هاجسنا التركيز على المناخات والمخالفات التي أعدت لترويض الحالة الإنتخابية في الأردن والتي هدفت الى تمرير أعداد من النواب وفق مقاسات الحكومات المتتالية ، وإقصاء كل من تسوّل له نفسه الاعتقاد أنه قادر على رفع إصبعه في وجه الحكومة أياً كانت ، والى حد كبير تحقق الهدف ..
في الأسابيع التي تلت إعلان النتائج كان همنا تسليط الضوء على العبث الذي مورس قبل وأثناء العملية الإنتخابية .. واليوم من واجبنا أن نرى أي نقطة تبعث على الأمل كي نسلط الضوء عليها  وإسنادها وحمايتها ، فأثناء متابعتنا لكلمات النواب رداً على بيان الحكومة استوقفتنا الغالبية العظمى من النواب ، وقد ركزت على قضايا الفقر والغلاء وغيرها من القضايا المطلبية.
وفي زحمة هؤلاء خرج من وسط الصفوف صوتاً منفرداً في رؤياه لدور المجلس ونائب الأمة ، حيث ركّز صاحبه على البُعد السياسي للمجلس ولدور النائب المختلف عما يعتقد الكثيرون .. وكما مارسنا النقد بحق هؤلاء في مقالاتنا السابقة علينا أن نتوقف الآن أمام المستجدات ، وأن نعترف أن هناك «ملامح نقطة مضيئة في المجلس الجديد» ، فسعادة النائب طارق خوري أجبرنا على التوقف لقراءة المتغيّرات ، حينما خاطب المجلس في معرض ردّه على بيان الحكومة حيث تضمنت كلمته المسائل الهامة التالية :
ــ هروب الحكومة من المربع السياسي نحو المربع الإقتصادي.
ــ  الدفاع عن حق النقابات في العمل السياسي والنقابي على حدٍ سواء والإشادة بالدور الوطني الكبير الذي لعبته تلك النقابات في الماضي والحاضر.
ــ الدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين وعدم المساس بهم وعدم تضييق هامش الحرية أمامهم ، وحمايتهم من بطش السلطات.
ــ تسليط الضوء على الدور المطلوب من الأردن وطنياً وقومياً حيال قضايا الأمة.
ثمة ملامح تؤشر لولادة نائب شاب خارج عن النص المرسوم والمقرر لشكل مضمون النائب «المطلوب» ولكن هذه الملامح تحتاج الى الإسناد الحقيقي لكي يخطو هذا النائب خطوات واثقة وغير متعثرة .. ومن موقع المحب والمساند عليّ أن أُسجل ملاحظاتي على التناقض في سلوك النائب المحترم ، فسعادته سجّل تحفظه على بيان الحكومة وقدّم العديد من الملاحظات التي تنسف ذلك البيان جملة وتفصيلاً ، بحيث تجعله يقف على يسار الحكومة وبيانها ، ومع ذلك وقع صديقنا في التناقض عند التصويت على منح الثقة حيث قرر سعادته منح الثقة للحكومة ، وهذا مخالف تماماً لمقدماته الإيجابية.
ونحن بدورنا نؤكد للنائب المحترم أن الحكومات لا تُمنح الثقة على النوايا بل على الأفعال ، ولا يجوز التعامل معها وفق الحديث النبوي الشريف «إنما الأعمال بالنيات».
مقدمات طارق خوري شكّلت حالة عبور حقيقية لنائب واعد ، وعليه أن يستمر في العبور ولا يتوقف عند نقطة الكيلو (101).






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «551»     التاريخ : 18/12/2007     سامي السيد

زعيمة الشعب

 



مصرع بناظير بوتو لم يأتِ من فراغ .. وإنما هو نتاج لأزمة الحكم في الباكستان منذ تأسيسه .. جريمة الإغتيال هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما دام العسكر يهيمنون على الحياة السياسية في البلاد .. فالأزمة الأخيرة أساسها الجنرال برويز مشرف الذي إغتصب السلطة بانقلاب عسكري وعطل الحياة السياسية منذ ثماني سنوات حيث لم ترى البلاد الأمن والراحة منذ ذلك الوقت ..مؤامرات تلو المؤامرات يحيكها هذا الرجل لضمان بقاءه وتفرده في السلطة .. أزمة مع بناظير وأخرى مع نواز شريف .. أزمة مركبة مع القضاة والقوى الحية .. أزمة مع الشعب الباكستاني برمته ..
الصراع في باكستان صراع متشعب .. ومعقد .. طائفي .. أثني .. بنغال .. بنجاب .. وقوميات .. والصراع بينهما محتدم .. وقد أدى سابقاً إلى إنفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش) عن توأمها باكستان الغربية حين رفض العسكر (البنجاب) القبول بنتائج صناديق الاقتراع .. عندما فاز حزب رابطة عوامي بقيادة البنغالي مجيب الرحمن  بالأغلبية الساحقة من الأصوات في الباكستان الموحدة .. عندها دفع الجنرال يحيى خان الحاكم العسكري لباكستان جيوشه لإخضاع الجزء الشرقي من البلاد بقوة السلاح .. حيث أرسل ما ينوف عن المئة ألف عسكري لتأديب وإخضاع البنغاليين .. حلت هزيمة مدوية بالجيش الباكستاني وإستسلم للجارة القوية الهند في أقل من أسبوعين التي هبت إلى نجدة البنغال الفقراء وقائدهم مجيب الرحمن .. وإضطرت الباكستان الى الإعتراف بالحقيقة وبالتالي  بالدولة الوليدة (بنغلاديش) نتيجةً للسياسات العرفية والإقليمية التي مورست حيال البنغال ..
ونتيجة منطقية للهزيمة .. توارى وإختبأ العسكر لبعض الوقت ..  حين اضطروا مكرهين لتسليم السلطة لحزب الشعب بقيادة علي بوتو الفائز بالأغلبية في باكستان الغربية .. علي بوتو .. اليساري المنحاز لفقراء بلاده .. إقترب بسياساته من الصين الشعبية والعالم العربي .. قام بإصلاحات سياسية واجتماعية كُبرى في الباكستان .. حيث ألغى النظام الإقطاعي ووزع الثروات على الفقراء والفلاحين .. مما أسس قاعدة إجتماعية ضخمة لحزب الشعب وتراثه .. استفاد منه ورثته السياسيون في مقدمتهم إبنته بناظير بوتو ..
لم يرق الرجل للعسكر .. ولا للقوى اليمينية الصاعدة .. كذلك لأعداء الباكستان .. فزرعت له المتاعب والفتن الأثنية .. الطائفية .. كمقدمة للتحضير لانقلاب عسكري نُفذ في موعده المحدد ..  وإعتقل الرجل وأعدم .. بتصميم من الجنرال ضياء الحق الذي أدار الظهر لكل النداءات الإنسانية بالإبقاء على حياة علي بوتو .. ومن جديد عطلت الحياة السياسية في باكستان الى أن لقي ضياء الحق مصرعه في حادث سقوط طائرة مدبر .. فلقد إنتهى دور الجنرال.
بعودة الحياة السياسية في باكستان فاز حزب الشعب بالأغلبية الساحقة من الأصوات وتكراراً لما حدث مع والدها لُفّقت التهم لوريثته السياسية بغية إقصائها .. سجنت .. غُيبت .. أُبعدت .. نفيت الى خارج الباكستان .. عادت .. وانتصرت .. من جديد لفُقت لها التهم  .. أقصيت .. لم يكتف الخصوم بذلك .. قتلّت بناظير بوتو في وضح النهار وأمام عشرات الألوف من مناصريها .. وأتباعها.
زعيمة الشعب .. بناظير بوتو لم تفزْ .. لم تصبح وزيرة .. لم تصبح زعيمة .. بقوة الكوتا النسائية .. بل بمساندة واصطفاف الملايين أمام صناديق الاقتراع لانتخابها طوعاً مع الإحترام للنساء في بلادنا ..






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «553»     التاريخ : 1/1/2008     سامي السيد

حين يكون الفارس مطية ..

 



لغط كثير وغير مبرر .. أثارته الأقاويل التي تنتشر كالنار في الهشيم .. فهذا «المسؤول الإداري» يعلن على الملأ وفي أكثر الصحف انتشاراً .. أن نادي الوحدات غير واقع تحت سطوة الديْن .. وكأن الديْن حرام أو عيب .. وفارس آخر تبوأ العمل العام منذ سنوات ينفي نفياً قاطعاً أن يكون قد ترك النادي وهو مثقل بالديون ..
غريب أمر هؤلاء .. الحقيقة أن نادي الوحدات يقع باستمرار تحت وابل من الديون نتيجة محدودية الموارد .. ونتيجة للأحلام الكبيرة التي تتجاوز حدود الإمكانيات ..
ويغضب هؤلاء حينما يتصدى عضو مجلس إدارة أمام وسائل الإعلام ليقول .. أن نادي الوحدات يعاني من الديون وبحاجة إلى مد يد المساعدة أو يدعو للتقنين والتقشف والاعتماد على الذات .. ويغضب آخرون إذا تمت الإشارة من قريب أو بعيد إلى أن نادي الوحدات كان يرزح تحت وطاءة الديون حينما غادره الفرسان ..
وظيفة «القائد» ودوره .. أن يقول الحقيقة وأن يتجاوز أحمالها .. فمثلاً عندما تسلمت دفة القيادة في نادي الوحدات مطلع عام (2006) كان النادي يئن من وطأة الديْن وثقله .. حيث تجاوزت الديون في تلك المرحلة الثلاثماية ألف دينار..
هذا الديْن أوقعنا في الحرج حيناً .. وفي الضعف أحيانا كثيرة .. إذ لم نتمكن من تسديد المستحقات لطالبيها الذين كانوا يعاملوننا بمنتهى القسوة والترفع والفوقية .. لذلك كان لا بد من إجراء الجراحة .. وتمت الجراحة .. اتخذنا قرارات قاسية من أجل وقف التدهور .. فقمنا ببيع لاعبي كرة القدم مصطفى شحدة، أشرف شتات، حماد الأسمر ومحمود الرياحنه ولاعب كرة السلة خلدون أبورقية .. وتعاقدنا مع مدربين بأقل التكاليف .. ولم نقفز في الفراغ .. ولم نخشى وقتها في الحق لومة لائم ولم نطأطئ لأحد .. تحملنا المسؤولية .. لم نقل أننا لم نبع هؤلاء اللاعبين .. لم نتستر خلف الحواجز .. بل أعلناها واضحة وصريحة ومدوية .. أن نادي الوحدات مديون ولا بد من تطبيق قانون التقشف وإلا فإنه سينهار .. وأنجزنا ما هو مطلوب منا بنجاح .. ومن جديد يعاني نادي الوحدات من وطأة الديون ..
بعض المسؤولين يختبئون خلف سواتر .. وينكرون الحقيقة .. ويغضبون أشد الغضب حين يتم فتح هذا الموضوع أمام الناس .. إذا كان الديْن عيباً .. فلماذا تمارسونه ؟؟ ..
وللحقيقة .. فإن نادي الوحدات مثقل بالديون منذ سنوات ولا يجد القيادة الجريئة التي توقف هذا الفلتان .. بل هناك من يرحل الأزمة تحت شعار «أصرف ما الجيب ياتيك ما في الغيب» .. «وعمرهم ما عدموا مديون» شعارات فارغة بلهاء مطلوب وقفها فوراً وقبل فوات الأوان.
سئل فيلسوف الصين كونفوشيوس ماذا نفعل إذا أردنا تصحيح العالم .. أجاب .. نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية ..
أستهجن .. لماذا يتحول الفارس إلى مطية ..






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «552»     التاريخ : 25/12/2007     سامي السيد