السبت، 23 أكتوبر 2010

سدنة الحضارة





شاهدت على شاشات التلفزة .. أحد سدنة المتحف الوطني العراقي يحمل بين يديه بقايا محطمة من مقتنيات المتحف من آثار نفيسة للحقب التاريخية التي مرت على العراق .. هذا المتحف الذي بات جزءاً من مكنونات هذا الرجل ورفاقه من سدنة المتحف .. شاهدته وهو يصيح مستنكراً بألم ظاهر .. يبكي بحرقة وهو يتصدى لجمهرة من الغوغاء .. يصرخ : هذا تاريخكم .. هذا تاريخ العراق .. لماذا تفعلون به ما تفعلون؟ .. دموع الرجل كانت تنساب على وجنتيه .. حارةً ..
وشاهدت إمرأة في خريف العمر جاءت تتفقد المكان الذي أمضت حياتها في خدمته .. فرأت الحطام على أرض المتحف المدمر المنهوب .. وأخذت تتفقده قطعة قطعة .. كما لو كانت تتفقد فلذات أكبادها .. فلم تتمالك نفسها وراحت تنتحب على مسمع ومرآى من الحضور وشاشات التلفزة العالمية ..
هنا بوسعي القول أن صدام حسين .. هذا «الطاغية» الذي إنتهك أشياء وأشياء كثيرة في حياة العراقيين .. لكنه في المقابل بنى واحداً من أهم أربعة متاحف على وجه المعمورة .. (المتحف الوطني العراقي) .. فالمتحف كبير .. مصمم بشكل إبداعي رائع .. ومزخرف بفنون تراعي مختلف الحقب الحضارية التي مر بها العراق .. نظرة واحدة داخل المتحف فتشاهد روعة المكان وفخامته .. كما الإعداد المنظم من الحافظات الزجاجية لكل قطعة بعينها وطبقاً لتاريخها وأهميتها .. كل هذا ذهب أدراج الرياح .. بفضل أولئك الذين غزوا العراق .. ولا يعرفون شيئاً عن حضارته أو حضارة البشر عموماً .. يعرفون وحسب .. علب البيرة .. وسندويشات «الهمبورغر» .. والصور الخليعة .. وأشياء أخرى تملأ حقائبهم .. وأدمغتهم على حد سواء ..
أعادني هذه المشهد إلى أحداث عام 7191 عندما إندلعت الثورة البلشفية في «بطرسبورغ» .. وراح العمال والجنود الثوريون يقصفون قصر القيصر «قصر الشتاء» .. إجتاحت المدينة فوضى عارمة .. إنتقاماً من القيصر وأزلامه الفاسدين .. وحاول البعض من الغوغاء ممارسة النهب والسلب كلٌ على طريقته .. تماماً كما جرى في بغداد .. أحد سدنة وعشاق «الآرميتاج» أصيب بالهلع حين شرع الغوغاء في تحطيم مقتنيات المتحف فلم يستطع مقاومتهم .. فهرول مسرعاً نحو قائد البلاشفة .. «لينين» .. الذي كان يأخذ مكانه في أحد الميادين .. يوجه الثورة والثوار .. فقال الرجل بتوسل وإنكسار: سيدي .. سيدي .. إنهم ينهبون «الآرميتاج» .. فسأله لينين : من أنت؟! فقال أنا سادن «الآرميتاج» .. نظر إليه قائد الثورة بإشفاق وإحترام وقال له : إذهب فأنت مدير «الآرميتاج» .. وأرسل معه مجموعة كافية من الحرس الأحمر بقيادة ستالين لحماية تاريخ روسيا وإبداعات أبنائها من الدمار والعبث .. ومازال «الآرميتاج» حتى الساعة أحد أعظم المتاحف في الدنيا قاطبة ..
سلوك «لينين» .. ورغم كل ما قيل في الشيوعية والشيوعيين .. يظل منارة لحضارة الإنسان .. وإبداع البشر .. ويؤكد عبقرية وشفافية هذا المفكر .. كل هذا لم يمنع معاملة هذا القائد بوحشية على أيدي العبثيين إبان سقوط جدار برلين .. ولقد حاول المخمور يلتسين .. وبلا هوادة إنتزاع ضريح لينين حيث يرقد في الكرملين .. ولكنه لم يفلح ..
قائد الحملة الأميركية «تومي فرانكس» شأنه شأن جنوده الآخرين ليسوا أكثر من أوغاد متوحشين لايفهمون سوى القتل والتدمير والإبادة .. كثقافة وحيدة لمجتمعهم الذي إمتهن العدوان ..




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «316»     التاريخ : 22/4/2003     سامي السيد




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق