الجمعة، 29 أكتوبر 2010

التائه !


 

جان بول سارتر مُفكر وأديب وفيلسوف فرنسي بارز .. عملَ مُعلماً .. ثم صحافياً وكاتباً ألمعياً حيث كان المدير العام لمجلة «الأزمنة الحديثة» في الستينات من القرن الماضي .. يُعتبر رائداً للتيارين الوجودي والظواهري .. تأثر سارتر في مُقتبلِ حياته بالعديد من الفلاسفة العظام .. هوسرل .. هيجل .. هايدنجر .. ثم مالَ نحو الفلسفة الديكارتية .. وفي مرحلة لاحقة من مسيرته الفكرية إتجه سارتر نحو الماركسية مُتأثراً بالتفسير اللوكاشي الطابع للفلسفة المادية ومع تنامي ونضوج فكره وإستيعابه لكافة التيارات الفلسفية كون فلسفة خاصة به عُرفت فيما بعد بالفلسفة الوجودية.
يتميز سارتر بغزارة الإنتاج الفكري والسياسي ولعل ذلك كان المدخل الأساس لإنتاجه المبدع في حقول مختلفة كالأدب والمسرح والفلسفة.
أما فيما يتلعق بحياته السياسية فقد عبر سارتر .. وباستمرار .. وبدون مواربة .. عن إنحيازه لكافة قوى الحرية والتقدم والإشتراكية .. وبوضوحٍ كامل .. فأعلن عن عدائه لقوى الإستعمار والإمبريالية .. حيث لعب دوراً طليعياً في الثقافة الشعبية الفرنسية المناهضة للإستعمار .. شارك في العديد من التحركات الشعبية في فرنسا وعلى الأخص الإنتفاضة الطلابية والعُمالية التي إجتاحت أوروبا عام 1968.
لم يكُن سارتر حزبياً رغم مواقفه اليسارية المُعلنة .. إتخذ مواقف صارمة حيال قضايا الإستعمار في الڤيتنام والجزائر فانحاز بشكل كامل نحو مسألة إستقلال الجزائر وعبر عن موقفه هذا من خلال كتابه المثير للجدل «عارُنا في الجزائر».
كما ناضل بدون ملل لإنسحاب القوات الفرنسية .. ومن ثم الأمريكية .. من الڤيتنام .. وإحتضن عبر مجلته المعروفة كُلّ المناهضين للحرب .. والمتمردين على السياسية الأمريكية.
ومناصرة لكوبا أصدر كتابه المعروف «عاصفة على السُكر» وراح يُهاجم فيه الحصار الأمريكي لها .. مؤيداً ثورتها .. وقيادتها الثورية.
إنحاز الى كل الثوريين والفوضويين في العالم .. ومن ضمن هؤلاء تأييده المطلق للجيش الأحمر الياباني .. ومنظمة بايدر ماينهوف الألمانية .. لإحداث الخلل المطلوب لتغيير هذا العالم الظالم والمتوحش.
إلا أن سارتر رغم مواقفه تلك .. قد تاه في صحراء علاقاته مع بعض المثقفين اليساريين اليهود .. فرنسيين وغيرهم .. المنحازين للكيان الصهيوني .. فكانت سقطاته مُدوّية .. لموقفه من القضية الفلسطينية والتي لا تنسجم البتّة مع مواقفه السياسية والفكرية والفلسفية.
أما صاحبي هذا إبن الحياة بكُّل تجلّياتها .. فوضوي .. إبن مُخيم بذكائه الفطري .. وفطنته .. ومأساته ..فهو لا زال يعيش أحداث النكبة كأنها قد حدثت البارحة .. يُحب النادي أكثر مما يُحب نفسه .. فالحياة عنده تبدأ من الوحدات وتنتهي أيضاً بالوحدات كأن حبلاً سُرياً يربط بينهما .. يُحب الفقراء .. ينحازُ إليهم بلا تردّد .. يمنحهم الحُب من قلبه والحنان .. مُنحاز للثورة والتغيير بلا تردد .. أو مُساومة .. في الحُب .. والعلاقات الإنسانية .. لهُ شأنٌ وباعٌ طويل .. ينبُذ الإقليمية .. ودعاتُها .. يتغلغل .. ينصهر .. يذوب .. في كل ما هو جميل .. فهو مُتمرد أيضاً.
صاحبي هذا قادر على فعل الكثير .. إلا أنه تائه في الصحراء المليئة بالغُرباء .. والجُبناء .. والعُملاء .. ويتوعدُني بهم .. كل ما حاولتُ تطويق أحدهم .. فهل سيفيق من غفلته تلك .. أم سوف يبقى .. شأنه .. شأن سارتر ؟



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «670»     التاريخ : 27/4/2010     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق