السبت، 23 أكتوبر 2010

صكوك الغفران



قبل قرون خلت كانت الكنيسة في أوروبا ترزح تحت هيمنة مجموعات من القوى الظلامية السوداء .. تعبث في الدين والديانة كما تعبث في حياة البشر .. تعليمات وأوامر الكنيسة هي الدين بعينه .. قمع وإرهاب لكل من تسول له نفسه مجرد البحث والتساؤل .. ومن يقول خلاف ما يقرره الرهبان كافراً .. وملحداً ..
الكنيسة في ظل هؤلاء كانت تعيش في أسوأ ظروفها .. يتحكم فيها الشواذ واللصوص والأفاقين الذين نصبوا من أنفسهم سفراء لله على الأرض .. حيث لا يحق للبشر الإتصال بربهم دون إذن منهم .. هؤلاء الرهبان نصبوا انفسهم واسطة بين الرب والناس ولا يصح لكائن من كان ان يقترب من ربه ويناجيه طالباً منه الصفح والمغفرة دون تصريح منهم .. وصكوك ممهورة بأختامهم .. ولكي تنال مثل هذه الصكوك فعليك ان تكد وتشقى وتخضع لمشيئة الرهبان لسنوات وسنوات ..
كانت أحوال الناس في ظل هيمنة الكنيسة يرثى لها فالجهل والتخلف والظلام سمة لصيقة بهم .. لدرجة انهم راحوا يتمنون الموت على الحياة ..
وللحق .. لم يكن هذا الأمر إستثناء او حكراً على الأوروبيين والمسيحيين خصوصاً .. ففي (الأندلس) وكمقدمة لإنحطاطها ساد المنطق الظلامي في أوساط المسلمين .. ولعلنا نعرف ما حدث للمجتهد المستنير (إبن رشد) الذي تعرض للبطش والإرهاب والدسائس بغية وضع حد لفكره التنويري والذي يبسط علاقة الناس بربهم.. فَطُورد أتباعه وتعرضوا للبطش والتنكيل والإرهاب وأحرقت كُتبه أمام الملأ في الساحات العامة في غرناطة وإشبيلية وغيرها وتحت ضغط الملاحقة إضطر العلامة إلى التواري والإختفاء ..
وشهد التاريخ مآس أخرى سبقت مأساة (إبن رشد) فثمة أشخاص وجماعات تعرضوا كذلك إلى القمع والإرهاب والتنكيل على أيدي القوى الظلامية على إمتداد مساحة الزمن ..
وفي بلداننا ومنذ عقود خلت يتنامى بإضطراد دور الظلاميين وتزداد سطوتهم على العباد .. إذ راحوا يمارسون الأساليب الظلامية إياها التي ما إنفكت تمارسها القوى السوداء المعروفة على إمتداد التاريخ ..
ثم ما لبثوا ان نصبوا أنفسهم وسطاء بين العباد وربهم وراحوا يصنفون الناس على أهوائهم فهذا كافر .. وذاك ملحد وزنديق .. ولم يتوقف الأمر عند ذلك فراحوا يصدرون الفتاوي: هذا نصراني لا يجوز التعامل معه وتلك جمعية مسيحية لا يجوز التعاطي معها وإلى ما في ذلك من ترهات وإفتراء على الدين والحياة ..
إن هؤلاء ليسوا أكثر من مجموعة من الشواذ واللصوص الذين إنقلبوا بين ليلة وضحاها فأطلقوا لحاهم وراحوا يتسترون في لباس الأتقياء تضليلاً للناس وتعميماً للسواد الذي يناسبهم ويناسب حياتهم وحياة أتباعهم ..
ومهما يكن من أمر فإننا نعلم علم اليقين حقيقة هؤلاء ولن تنطلي علينا أساليبهم في الخداع والتضليل وبث السموم في حياة الناس .. ولا يملك أحد إيا كان ان يمنحنا صكوك غفران ولاننتظر من أحد تأشيرة لدخول الجنة سيما أننا بادرنا وتصدينا منذ سنوات طويلة إلى العمل العام ودفعنا في سبيل ذلك ثمناً باهظاً من حياتنا وحريتنا ..
وقد عرف التاريخ جماعات وطوائف وفرق من الحشاشين الذين لعبوا دوراً أسوداً في حياة الأمة .. نقول لكل هؤلاء نحن لا نفرق بين أبناء الوطن ولا بين أبناء الأمة فعيسى العوام وجول جمال وأنطون سعادة حاضرون في تاريخنا تماماً كجمال عبد الناصر وعز الدين القسام ويحيى عياش ..
وسهى بشارة حاضرة في وجداننا تماماً كـــ .. وفاء إدريس ..
ولن نبالي بالأحقاد والتفرقة ولن يعود التاريخ إلى الوراء ..



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «333»     التاريخ : 18/8/2003     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق