الاثنين، 27 ديسمبر 2010

البطل .. والعنكبوت .. وتغيير الإتجاه




اعترض طريقي صديقي «أبو الذهب» وقال لقد كان صديقك رائعاً , بعكس الأخر الذي كان منحازاً.
كان صديقك بفطرته بريئاً بسيطاً شجاعاً .. قلت نعم هو كذلك .. في اللقاءات التي تلت ذلك ، فردية كانت أم جماعية ، انصبّ الحوار على مناقشة ذلك الموضوع .. الكل يشيد بصديقي البسيط البريء الذي يعبّر عن ذاته بالفطرة ..
أقول لهم هذا صحيح أيضاً .. لقد كان شجاعاً وسيظل كذلك لأنه انحاز إلى وجدانه وقناعته .. ظل منسجماً مع تراثه .. ماضيه .. حاضره .. مستقبله .. لهذا جاءت المنازلة بسيطة ولكنها معبرة وقوية .. لم يكن الرجل «يمثّل» فهو حزينٌ بحق لما جرى .. ومن شاهده على الشاشة بعد انهيار الشبك يبدو الرجل بوضوح تائهاً مذهولاً مصدوماً ..يكاد يخرج من ملابسه .. قد لا يكون الرجل قد نال العلامة كاملة .. ولكنه بالتأكيد نجح بمرتبة الشرف وأصبح بطلاً في الوجدان الشعبي .. أهم الحوارات وأكثرها سخونةً ما جرت في الأيام القليلة الماضية واستمرت لساعات بحضور قلّة من المفتونين والمأفونين والمنغلقين والمنبوذين والمزايدين والمنافقين والمغفلين ، وأكثرية ممن يريدون معرفة الحقيقة وما هو الحل .. !!
شرحنا لهم بإسهاب التجارب السابقة من حادثة رمي الحجارة في ملعب اربد عام 1980 ، إلى حادثة استاد عمان ونتيجة حلّ الأزمة بشكل قاصر ونزق قادتنا إلى الوديان و فحُلت إدارة النادي وهيئته العامة وإنقاد نادي الوحدات إلى غير مكانه وموضعه ، وأصبح نادياً لحفنة من الناس بعد أن كان نادياً للجماهير .. فمنحوه غصباً لقباً لا يُعبر عن الحقيقة.
واستعرضنا الحلول واستقرت الآراء أنه لا مجال إلا للحل عبر طرفي الخلاف .. المعنيون في الأمر وإدارة نادي الوحدات عبر حوار هادف وبنّاء يقود لتحقيق العدالة .. ولا يجوز أن يبقى الحوار (حوار الطرشان) وعبر التراشق في الفضائيات بما لا يخدم مصالح البلد والوحدات معاً.
واستمرت الحوارات والجلسات .. معظمها تشيد بدوره وبموقفه ، علْماً أنه يجلس في (المقعد والمكان الصعب) بعكس محاوره الذي يجلس في (المقعد والمكان المريح) .. والشاطر يفهم.
أما العناكب المستوطنة بطبيعتها في الأماكن اللزجة والباردة ، وفي الزوايا المظلمة داخل الحفر وبين الصخور وفي ثنايا الكهوف ، ترشق تلك الأماكن بسوائلها المقرفة .. فلا دور للعناكب سوى اصطياد الذباب .. تلك العناكب التي لا تعرف النهار والليل مرادها وعشقها .. تسرح وتمرح فيه كونها رعديدة .. تختفي في الزوايا وتحت جنح الظلام وفي أدواتها ووسائلها الحديثة تختفي وراء أسماء وهمية ، وأسلاك شائكة لا تستطيع أن تراها .. أهي من القردة أم من الديدان .. في كل مرة تخرج إلينا العناكب عبر الشبكات تشتم وتلعن وتمنح الأوسمة لمن تشاء.. وعندما تـُـحاصر بالحقيقة تـُطلق شعارها الممجوج (والله ما أحنا فاهمين أشي) أو (ههههههه) أو (ولّــعــت) أو (سحج) .. مفردات لا تعرفها إلا الجرذان.
حاولتُ أن أخاطب هؤلاء العناكب بشكلٍ مباشر في حوار واعي ومسئول وعبر شبكاتهم .. لكن التعصب والشللية كانت ولا تزال هي المهيمنة .. لماذا .. ! أتحداهم أفراداً وجماعات أن يقدموا لنا حلاً منطقياً وواضحاً وقابلاً للتحقيق .. (واللّي فيهم ساهم في كنْس قوات الاحتلال عن أي جزء من الأراضي العربية ، وقاتل قوات المارينز في الفلوجة ، وقتل من قتل وسحل من سحل ، أوقفز بطائرته الشراعية الى شمال معشوقتنا فلسطين كخالد أكر أوعبَر مسلحاً في قاربه الصغير «قارب الحرية» سمير القنطار ، لأنهم عرباً ووطنيين ومقاومين .. فليقدم نفسه حتى ننحني له).
في لعبة القط والفأر .. يُحكى أن قطً  شاهد فأراً ، وبحُكم الغريزة وحكْم الصراع المستوطن في داخلهم أصيب الفأر بالهلع وولى هارباً .. لاحقه القط بضراوة فأصطدم الفأر بالجدار فأنقض عليه القط بمخالبه وأمسك به وقبل أن يلفظ الفأر أنفاسه قال للقط وهو يعاني من روح الهزيمة كان بإمكاني أن أكون أسرع .. فأجابه القط كان عليك تغيير الاتجاه لا أن تكون أسرع.
• الحقيقة هي أول ضحايا الحروب.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «703»     التاريخ : 27/12/2010     سامي السيد

السبت، 25 ديسمبر 2010

مداخلة على قناة الجزيرة

المداخلة التي تمّت على موضوع بروح رياضية على قناة الجزيرة الفضائية حول موضوع أحداث القويسمة عقب مباراة الوحدات والفيصلي بتاريخ 10/12/2010.


الاثنين، 20 ديسمبر 2010

الرجل .. الذي كان هُناك



 

الحِراك الشعبي والنيابي الذي ترافق مع الأحداث المؤسفة التي تعرّض لها جمهور الوحدات في ملعب القويسمة حِراك محمود والتضامُن المنقطع النظير من أنديتنا ومنظّمات المجتمع المدني بأطيافها وألوانها كلها عبّرت عن رغبة أكيدة بضرورة إجراء تحقيق عادل وشفاف ينالُ منها المخطئ جراءَ خطيئته ويُعاد للمظلوم حقّه وكرامته ، لم يتوقف الأمر عند ذلك ، تعالت الأصوات ، منها العاقلة ، وأخرى الجاهلة لا ترى أبعد من أنوفها ، إستمر الحِراك وإلتقت أمس إدارات الأندية تمثل البلاد بطولها وعرضها ، فمن منشيّة بني حسن الى منشيّة بني حمّور ، الكرمل ، والجليل ، والعربي ، وإتحاد الرمثا ، والسخنة ، نواب حاليون وسابقون من كل الأطياف ، كانوا هُنا للإعراب عن وقفتهم وتضامنهم مع نادي الوحدات في مِحنته الإخيرة.
تحدّث الجميع ، وضعت المشكلة ومقدّماتها وأسبابها وكيفية الحلّ على الطاولة ، حُرّية التعبير مُصانة هُنا ، فلا مكان للقمع والهروات ، الوحدات كان دائماً وسيبقى واحة للحرية والديمقراطية والإنسان ، واحة للوطن.
البحث عن الحلّ هو الهدف ، يجب وقف التدهور في العلاقات بين النادي من جهة ، والسلطة من جهة أخرى ، حوارنا يجب أن يتسم بالوعي والمرونة والمسؤولية ، بدون تشجنّج ، وبدون أجندات.
غادرنا المكان كلٌ في طريق ، إتجهتُ للإلتقاء بصديق لعلنا نجد فيلماً يُناسب المرحلة ، الأفلام المعروضة كلها «أيّ كلام» في إنتظار أعياد الميلاد ، إحتسينا ما تيسر من الشاي والقهوة دعانا إليها صاحبنا مدير المكان وسيّده ، تركناه لإرتباطه بموعد مع أعز الناس إليه ، هرولنا نحو القاع في تلك الليلة التي إستوطنها البرد ، وعقارب الساعة تلهث نحو المنتصف ، رُحنا نتجول في الساحة طولاً وعرضاً ، أهلكني صاحبي بصراخه المستمر بشأن مسألة كانت موضع بحث ، راح يتندر على الآخرين ، ويسخر منهم ، لم يعجبه أحد ، اعتقاداً منه أنه فوق الجميع ، رُبما لديه بعض الحق ، فتميّزه عن الآخرين سلباً وإيجاباً مسألة لافتة ، فالرجل لا يُساوم ، يُحب المكان لدرجة العبادة ، لم ينظر إليه يوماً ما كمنطلق لكرة القدم ، بل مكان مقدس وصاحب رسالة كما يقول ، يتصدّى للصغيرة والكبيرة بنفس الإنفعال ، بنفس العُنف.
يراه الآخرون كما يراهم ، مغروراً ، مُتعالياً ، متعصّباً ، فجّاً ، ثمة بعض المبالغة والمُغالاة بما يقول ويُقال عنه ، لكن الحقيقة أنه يتميّز عن الآخرين بإخلاصه اللامحدود لمن يُحب ، ولمن يعتقد أنه أهلاً لذلك ، مستعد لأن يخوض أعتى الحروب بعيداً عن النتائج إذا ما تشكّلت لديه قناعة ما.
راح يتهمني بمجاملة هؤلاء «الدون» الذين لا يستحقون مني أدنى درجات الإهتمام ، أضحك حيناً ، وأُزمجر حيناً آخر ، من تطرفه ، ظلَّ يطرق رأسي والبرد القاسي يفتكُ بي ، من شدّة إنفعاله لم يشعر بالبرد ، رغم كوننا «قُرعان» ، إنصرف بعد أن إعترف أن البرد شديداً والمسألة لا تستحق كل هذا الصقيع.
البرد القارص بجوار «مكّة مول» أعادني للوراء ثلاثة وثلاثون عاماً ، الزمان : أواخر كانون الأول 1978 ، المكان : ستاد عمّان الدولي ، الحدث : مباراة بين فريقي الوحدات الصاعد حديثاً ، ونادي الجيل الذي تصدّر لفترة وجيّزة مقدمة الأندية في الأردن ، المواجهة حامية ، ومع صافرة النهاية إنقض بعض لاعبي «فريق الجيل» بالضرب على «باسم تيم» حارس الوحدات ، فهبَّ لنجدته غسان جمعة ، لم أستطع أن أكون مُحايداً ، إنغمستُ في العراك ، تدخلت الشرطة ، ساقتنا نحن الوحداتيون الى مديرية شرطة العاصمة في العبدلي ، زجّوا بنا في غياهب «النظارة» التي كانت في إنتظارنا ، كُنا خمسة ، لم يُعتقل أحد من الجيل ، لم تكن المُعادلة متوازنة ، أحد أطراف النزاع رغم قلّته العددية يملك كل شيء ، المال والسلّطة ، الطرف الآخر رغم كثرته لا يملك من أمره شيئاً ، تحرك الرجل ، استنفر حواسه ، استنفر معارفه ، استنجد بالآخرين ، أثار حميّتهم ، إستفز فيهم روح القبيلة ، تحقق التوازن ، مع كل صباح يأتينا الرجل ، يحمل إلينا ما نُريد ، لا يغادر المكان إلا نادراً ، يحضر إلينا في المساء يحمل معه ما تيسر ، تدخلت القبائل والأعراب ، طالبوا بالعدل والمساواة ، يجب إحضار الجميع هُنا «للنّظارة» ومثولهم أمام العدالة ، أو إخلاء معتقلي الوحدات فوراً ، أمضينا خمسة أيام باردة في «النّظارة» القميئة ، لم يتركنا الرجل ، لقد تحقق له ما أراد ، فالرجل كان دائماً هُناك ،
] رحِمَ الله عمر غنّام ، والصحّة والكرامة لصانعي تلك المرحلة المجيدة في مسيرة نادي الوحدات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «702»     التاريخ : 21/12/2010     سامي السيد

الاثنين، 13 ديسمبر 2010

«جندرما» في الملعب




ما حدث بعد المباراة بين فريقي نادييْ الوحدات والفيصلي يوم الجمعة الماضي ، حدثٌ كبير يجب التوقف أمامه بدقّة .. فالمباراة إنتهت نهاية طبيعية ولم تشهد أيّة حوادث أو إستفزازات من جانب الفريقين .. جمهور الفيصلي غادر الملعب بعد صافرة النهاية منعاً لأي إحتكاك كما هو متفق عليه .. جمهور الوحدات يحتفل بطريقته بفوز فريقه الذي قطع نصف الطريق نحو القمة ، متقدماً بفارق مُريح يؤشر الى أن بطولة الدوري قد عادت أدراجها الى العرين الأخضر .. فجأة .. وبدون مُقدمات إنهالت قوات الدرك وبأسلوب عنيف إستوطن في رؤوسهم منذ زمنٍ بعيد ، فبدون حوار .. أو طلب من الجماهير بمغادرة المكان ، إنهالوا عليها صغيرها وكبيرها «وبالهروات» مما أدى الى «تكوّم» آلاف الناس أسفل المدرج ، هرباً من «القناوي» وخشية من الإصابات .. هذا الإزدحام ، والضغط الهائل من طرف الجماهير أدى الى إنهيار الشبك الفاصل بين المدرجات ، وأرضية الملعب .. الصُدفة وحدها .. وكثيراً من الحظ .. هي التي حمت الناس من موت مُحقق ..
رغم ما حدث من مأساة لم تتوقف «الهراوات» بل إزدادت ضراوة ، وكأن الحل يكمن في العُنف وحده .. ولا حل غير ذلك ، لا الهدوء ولا إستيعاب الناس ولا التعامل معهم كبشر .. المدرسة هي ذاتها مدرسة العُنف والقهر والأذلال.
سلوك رجال الدرك هذا لم يكُن إستثناء .. فطوال السنوات التي أُسندت لقوات الدرك مهمة الحفاظ على الأمن الجماعي .. لم تكن هذه القوات جزءاً من الحل .. بل أصبحت هي المُشكلة .. فقد ظلّ التعامل مع التظاهرات والإحتجاجات والإعتصامات بنفس العقلية ونفس النهج مهما إختلف شكل ولون الطرف الآخر ؟!
صحيح أن العُنف لم يقتصر على جماهير نادي الوحدات وحده ، بل تعداه الى جماهير أندية أخرى ، بما في ذلك أنصار النادي الفيصلي ، كذلك النواب .. والمتظاهرين .. والمحتجّين .. على إختلاف أصنافهم وألوانهم .. ولكن الصحيح أيضاً ، أن أنصار الوحدات يتعرضون للعُنف والتعسف بكثير من المغالاة وكأن هؤلاء المواطنين أقل شأناً من الآخرين ولا نصير لهم ، ويسهل التعرض إليهم .. وقمعهم .. دون الإحساس بالخوف من المساءلة.
فالدركي بالمحصلة .. إنسان ومواطن من حقه مشاهدة كرة القدم .. ومن حقّه أيضاً أن يشجع فريقه المفضل فيصلي كان أم منشية ؟! ولكن عليه أن يفهم أنه هنا لحفظ الأمن بعيداً عن مشاعره الخاصة به ففوز فريقه أو خسارته ليست هُنا موضع وظيفته .. وعلى الجهات التي تدير وتُشرف على هذا الدركي أن توضح له مهمته بشكل جلي بعيداً عن الإجتهاد والمُيوعة .. كما عليه أن يحافظ على الأمن والنظام وأن يتسم بالحياد والموضوعية والمساواة وعليه مساعدة الآخرين لأن هذا جوهر وظيفته لا قمع الناس.
في الماضي القريب .. في الزمن العُرفي .. كان «البُعبع» جهازاً آخر .. هذا الجهاز طوّر أحواله وثقّف منتسبيه وزج في صفوفه المئات من الكفاءات الذين يتلقون الدورات الواحدة تلو الأخرى في أصول التعامل مع الآخرين ، بحيث أصبح المواطن لا تعتريه مشاعر الخوف والفزع عندما يذهب لمراجعة ذلك الجهاز ، ولعل في ذلك حكمة لقوات الدرك وغيرها .. في بلدنا حتى القُضاه المتعلمين والمتخرجين يتلقون دورات في فنّ التعامل مع المتهمين.
قد لا تُعجب وجهة نظري هذه الكثيرين من المسؤولين في الدولة والنادي على حدٍ سواء ورُبما في الشارع أيضاً .. المُشكلة ليست فيما حدث يوم الجمعة .. بل في الإحتقان المُزمن في وجدان الناس .. كل الناس وكأن الدولة في واد والناس في وادٍ آخر .. لقد أصبحت كرة القدم هي المتنفس المتاح للناقمين والمقهورين والمأزومين والمهزومين من جهة ، ومن جهة أخرى للحاقدين والمستفيدين والمغالين في التطرف.
كيْ نتصدى للأزمة المستوطنة في أعماق المواطنين في بلدنا علينا أن لا نعالج الإحتجاجات بأسلوب بوليسي فظّ بل البحث في جذور المشكلة وأسبابها .. هذه الجذور العميقة المترسخة في أعماقنا نتيجة الظُلم والتعسُف والإحساس العميق لدى المواطن البسيط العادي أنه مستهدف على الدوام.
الحلّ تحقيق العدالة والإحساس بالمواطنة .. وبناء مواطن جديد .. يؤمن بالوطن .. ومستعد للدفاع عنه أمام المحن والمخاطر.
وكي لا تكون حياتنا وقفاً على جندرما في المنزل .. جندرما في الطرقات .. جندرما في الملعب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «701»     التاريخ : 14/12/2010     سامي السيد

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

أتركوا الحمار وحيداً




ظلّ يعتقد على الدوام أنه «حالة» .. ظروف الفراغ السائد في المكان .. هجرة وعزوف الأخيار عن البقاء والمشاركة .. مغادرة الأقوياء بحُكم ظروف خارجة عن السيطرة .. البحث عن الصغار تغلغلت وترسّخت في المكان.
الأغبياء والحمقى والمجانين هم الخيار المفضل لأولي الأمر .. لا كلفة باهظة لمثل هؤلاء .. فأحسنهم حالاً .. «روح روح .. تع تع» وبصريح العبارة يعني «طراطير».
هؤلاء عندما تعلفهم .. شعيراً كان أم تبناً .. لا فرق.. يقفون بالساعات في إنتظارك على الأبواب .. وربما على أطراف المُخيم .. يتراكضون من أمامك ومن خلفك وهم لا يفقهون .. حوار صريح وإنساني مع صديق مُهيمن في المكان .. له دورٌ محوري .. دوره هذا .. «إختطفه» .. بفضل إمكانياته الكبيرة .. ورغبته وسخائه في إستخدام هذه الإمكانيات بشكل مُفرط .. في معرض التندُر على هؤلاء القوم .. قال .. أخونا فلان .. مِن أحسن العناصر لشغل منصبه هذا .. قُلت .. كيف ؟ .. ولماذا ؟ .. فالرجل بلا إمكانيات إدارية أو فكرية .. وتكاد لا تراه أو تسمعه من ضحالة إمكانياته .. لا يُتقن شيئاً على الإطلاق .. ولا يحمل أيّة وجهة نظر .. لا يستطيع أن يُدافع عن أي فكرة ، وأفضل أحواله عندما يظلُّ صامتاً ؟! .. ضحك صاحبي طويلاً .. كاد أن يسقطُ من على مقعده من شدّة هستيريا الضحك .. قال وهو يترنح من الإنشراح .. هذا النموذج الذي أرغب في التعامل معه .. فهذا النوع من الناس .. تقول له السماء سوداء .. فيقول «نعم» السماء أكثر سواداً .. هذا الكائن مريحٌٌ للغاية ولا يحتاج لإجهادك في إقناعه في أي مسألة ما .. فما عليك إلا أن تدُس يدك في المحفظة .. وتُعطيه ما تيسر من المال لتسديد قسط السيارة .. أو الشقّة .. أو لتسديد إشتراكات عضويته عن دورة كاملة .. هذه العضوية التي تباع ليلاً نهاراً .. سرّاً وعلانية ولأكثر من شخص واحد .. «فبابا نويل»  متواجد بكثرة هذه الأيام .. والسيارة جاهزة على الدوام لنقلهم أفراداً وجماعات .. لإحتساء الشاي والقهوة عند هذا و ذاك من الباحثين عن دور .. أو لتلقي هدية ما .. من المانحين.. فلا يهم أن كانت نقدية أو عينية .. فكثيراً من السمك والبلح ما يُسعد القلب .. لم يقتصر الأمر على «بابا نويل» بعينه .. فدخل على الخط «باباوات» كثر من أصحاب المال والأعمال .. يطرقون الأبواب بقوة بأيديهم وأرجلهم .. فدفاتر الشيكات جاهزة  ولا يزعجهم إن كنت تريد عطاياك نقداً .. إمعاناً في السرية , فهم على الدوام جاهزون .. يدعونك لأشهى الولائم وأرقى الأماكن التي لم تكن في حُسبانك يوماً ما .. هؤلاء «الباباوات» دخلوا «بقوة» على الخط .. يملكون كل أدوات اللعبة .. سيارات فاخرة لتكريس هيبتهم .. سيارات أُخرى إضافية للإعارة كلما إقتضى الأمر .. رصيد كبير أودع في تصرف أحدهم لكي يُفتح له المكان من أوسع أبوابه .. فالرجل حققّ مكانه تحت القُبة .. بنفس الطريقة .. بنفس الأسلوب .. بنفس الأدوات .. «الباباوات» يتصارعون .. في سباق مع الزمن .. الكل يُريد قطع الطريق على الآخر .. أما الغلمان فهم جاهزون يعرضون بضاعتهم وخدماتهم لكل من يدفع .. يضلّلون القادم الجديد ويوهمونه بقدرتهم الفائقة على الإنجاز .. فتاريخهم طويل في الوقوف أمام المكان لنصرة هذا في مواجهة ذاك مقابل أجر معلوم .. وآخر غير معلوم «تحت الطاولة».
في هذا المناخ المتخم بالفساد والفاسدين .. وجد صاحبنا نفسه فجأة يجلس في مكان أكبر منه ومن أمكانياته .. وبموقع لا يستطيع أمثاله أن يشغروه في ظروف طبيعية خالية من الفساد والسُلطة والمال .. صاحبنا هذا لم يصدق نفسه .. راح يشتم هذا وينعت ذاك .. يكذب ..يستغيب الناس .. كل الناس .. يتوهم البطولة .. يتهجم على الآخرين في مجالسه التي تزدحم بأمثاله .. يفتعل المشاكل على الدوام .. لم يسلم أحد من شروره وأذاه .. المشكلة أنه يعود ويتنصل من كل أفعاله ويحمل فُرشاته الطويلة  للمديح .. يفتعل المتاعب وهو أقل الناس قُدرة على مُجاراتها ، فحياته بائسة أو تكاد .. لم تتحسن أوضاعه إلا بفضل هؤلاء القوم الذين ينال منهم الآن .. والآخرين سوف ينال منهم عندما تنتهي حاجته .. يعتقد وجماعته أنهم رقماً ذو قيمة .. والحقيقة .. أن وجودهم جاء صدفة .. بفعل تعهد وإلتزام أخلاقي.
أما الذين يصفّقون الآن  لحالة الهياج والجنون هذه .. فعليهم «ترك الحمار وحيداً».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «700»     التاريخ : 7/12/2010     سامي السيد