السبت، 23 أكتوبر 2010

توابيت





الطائرات تلو الطائرات تهبط تباعاً في قاعدة (دافور الجوية) فمن طائرات «دي سي 5» و«دي سي 7» إلى طائرات البوينغ 747 لتأخذ أماكنها المعتادة على مدرج المطار المعد لإستقبال تلك الطائرات المحملة بالتوابيت، وقد إعتاد سكان البلدة لحظة مرورها ان يقفوا بإحترام وإجلال كبيرين .. لأنهم يعرفون تماماً نوعية حمولتها .. وما تعني لهم تلك الحمولة ..
وما ان تهبط الطائرات على مدرج المطار وفي مكانها المعتاد حتى يهب العاملون في القاعدة والتي تحوي أكبر مشرحة للجثث في الولايات المتحدة الأميركية بوقار شديد وأدب جم وبخطى وئيدة، تتم خلالها عملية إنزال التوابيت بإتجاه المشرحة .. وهناك تتم عملية تجميع وتحنيط الجثامين والأشلاء .. كي تبدو بصورة لائقة تناسب حجم التضحية الكبيرة والثمن الباهظ الذي دفعه هؤلاء من أجل هيبة ومجد الإمبراطورية .. قبل أن توضع عليها الأوسمة لتسليمها على نحو مهيب إلى ذويهم ..
لقد تم تخفيض العاملين في مشرحة «قاعدة دافور» إلى أدنى مستوى .. حيث لم يبق سوى بضعة أشخاص .. فلا حروب مباشرة تستدعي وجود عدد كبير منذ أن وضعت الحرب الفيتنامية أوزارها .. والتي كانت مصدراً لآلاف الجثث القادمة من سايغون .. وطوال سنوات لم تستقبل تلك القاعدة وعلى نحو مفجع سوى الطائرات القادمة من بيروت والتي تعج بجثث قوات المارينز الذين قتلوا هناك دفعة واحدة وبعملية فريدة ولافتة .. وقتلى السفارة الأميركية من عملاء وكالة المخابرات الأمريكية .. الذين لقوا مصرعهم بضربة مماثلة .. فبإستثناء هؤلاء لم ترد توابيت أخرى إلا ما ندر ..
من جديد .. ومنذ ان فجرت الولايات المتحدة الأميركية حربها العدوانية على العراق .. راح عدد العاملين في تلك القاعدة يزداد شيئاً فشيئاً .. حتى وصل إلى مائتي موظف .. يعملون على مدار الساعة من أجل ترتيب وتنظيم الجثامين المحترقة القادمة من بغداد والموصل والرمادي وتكريت والفلوجة وبعقوبه وغيرها من المدن العراقية المجاهدة ..
مع مرور الوقت تزداد الأعداد القادمة وتزداد توقعاتنا بأن تعج القاعدة بمزيد من العاملين .. ولعل ذلك يحل بعضاً من مشكلة البطالة التي تعاني منها الإمبراطورية ..
وفي هذا المجال .. فإننا نشد على أيادي العراقيين والأفغان وكذلك الفلبينيين وكل المضطهدين في الأرض الذين يعانون من بطش وطغيان أميركا .. أن يشددوا من ضرباتهم وفي القلب لهذا الطاغوت الجاثم على صدر العباد في عموم المعمورة .. من أجل تصدير المزيد من التوابيت .. فذلك لن يزيد عدد العاملين في القاعدة وحسب .. وإنما سيسهم في ترويج وإنتعاش صناعة التوابيت في بلاد العم سام.
توابيت في العراق .. توابيت في أفغانستان .. توابيت هنا وهناك .. ثمن باهظ تدفعه الولايات المتحدة جراء عدوانها وبطشها على شعوب الأرض .. وإستقوائها على المستضعفين .. بغية تحقيق حلمها اللامحدود والمجنون في الهيمنة على الكون بأسرة ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «334»     التاريخ : 26/8/2003     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق