ما ان أعلن الخبر حتى هبّ المتحفزون هبة رجل واحد .. كل منهم إنطلق في إتجاه .. يبحث ويختار المكان الذي يرغب بالتخندق فيه .. إتصالات في كل الأنحاء .. (خلويات) توزع على الأتباع والمناصرين لتوفير شبكة حديثة من الإتصالات .. وكأن حرباً ضروساً على وشك الإندلاع ..
فقرات تقام على عجل هنا وهناك .. في داخل المدينة وعلى أطرافها .. الإضاءة تنتشر في المكان .. الأضواء تتلألأ فتخترق عتمة الليل وتُحيلها نهاراً كما الظهيرة .. جلسات تمتد إلى ما بعد منتصف الليل .. القهوة السادة توزع بإنتظام على الجالسين مع قدر من التبجيل والإحترام .. في الجوار مطابخ تقدم الخدمة على مدار الساعة بغية إرضاء الزبائن .. ورشات عمل تجوب شوارع المدينة بعيد منتصف الليل .. تعكر صفو الهدوء .. ثمة جديد كل يوم .. لافتات مزركشة .. ملونة .. تملأ فراغ الشوارع .. تتدلى!! .. تحمل شعارات من كل حدب وصوب .. فهذا يعد بتدمير البطالة .. وذاك يتوعد الفقر بحرب لا تبقي ولا تذر .. وآخر يلعن الإقليمية والطائفية وثالث ورابع وخامس يعدون القوم بهزيمة الإمبريالية وصنيعتها «إسرائيل» .. بينما لا تخلو الجوقة من مرشح راح يمثل بدون إستئذان الجماهير الشعبية وإصطفى نفسه مدافعاً منافحاً عن حقوقها ومصالحها ..
في كل يوم .. حركة جديدة على قاعدة «في الحركة بركة» .. الخطاطون لم يجدوا فرصة للنوم لكثرة مشاغلهم .. الطباخون العاطلون عن العمل وجدوا في الأمر ضالتهم ..
صور متناثرة تملأ الجدران والساحات .. حتى أعمدة الهاتف .. أعمدة الكهرباء .. الإشارات الضوئية .. لم تسلم من ذلك .. المرشحون يتسمرون داخل جدران ملصقاتهم .. بعضهم يلبس آخر مبتكرات الأزياء العالمية .. واخرون يلبسون العباءة العربية يتدثرون بها فتزيدهم هيبة على هيبة ..
وفوق كل ذلك رائحة الطبيخ تزكم الأنوف .. الزوار يتبادلون الأخبار والحكايا عن أفضل الأماكن التي تقدم «المناسف» المغطاة بالكاشو واللحم الأحمر البلدي، ولا بأس بحلويات مما لذ وطاب ..
إقترب الموعود .. وحانت لحظة الحقيقة .. مهرجانات خطابية في كل ناحية .. تذكرنا بكرنفال كبير .. الحافلات والسيارات و«البكبات» تصطف بإنتظام على جوانب مقرات المرشحين في إنتظار الصباح ..
مع بواكير الصباح .. بدأ السباق المحموم .. مرشح «عكَّش» العاملين في خدمته منحة مناسبة تدفعه للعمل بكل جدٍ وإقتدار ..
باكراً وكعادتهم هرع الإسلاميون نحو مراكز الإقتراع بهدوء ونظام .. نساء منقبات .. وأخريات محجبات يحثثن الخطى بثبات وهمة عالية ..
سماسرة .. يجوبون الطرقات بسياراتهم حول مراكز الإقتراع يعرضون خدماتهم على المارة .. فئة من الناخبين يتسمرون على الأرصفة في إنتظار الفرصة المناسبة والعروض المطروحة من هذا وذاك .. حافلة تَمر .. احد السماسرة والدلالين يعرض على إحدى البائعات وبإشارة من يده (خمسة دنانير) .. فترد البائعة على الفور وبنفس الطريقة (عشرة دنانير) ..
إشتد السباق وتعاظم التزاحم حتى المساء .. في السابعة أعلنت صافرة النهاية .. الأغلبية تحلقوا حول أجهزة التلفاز وآخرون راحوا يجوبون مراكز الإقتراع ..
حل منتصف الليل .. زعيم الزفتة وجد مكاناً له .. عراب الحصمة تسلل بجرافته المزينة بالنقود .. بائع الفستق لم يتمكن من مواصلة السباق .. صديق بني شلوم هوى نحو القاع .. لم يخترق الصفوف «كتاب» واحد .. وأعلنت النتائج الرسمية فإذا بالمجلس يعج «بالجندرما»!!..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «325» التاريخ : 4/6/2003 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق