الوحدات 1957 كان الوقت خريفا، في الصباح الباكر، ثمة لسعة خفيفة باردة، المكان فسيح، المساكن تناثرت على مساحة واسعة، ربما بشكل مدروس، لا شوارع معبدة، بيوت بلا ملامح، البيوت متناثرة، بائعو الفلافل، استيقظوا باكراً كعادتهم سعيا وراء لقمة عيشهم..
تناولت ابريق الماء.. كي اغسل وجهي.. بسرعة احتسيت كوب الشاي مع كسرة خبز.. خطفت حقيبتي المدرسية، المحاكة بيد امي من قماش قديم، قفزت الى عرض الشارع، لم يكن كما عهدته.. الحركة معدومة البتة، الصمت يخيم على المكان، رجال البادية بملابسهم الطويلة بشراشيبها الحمراء، يحملون بنادق طويلة.. يقفون على مداخل الازقة.. ملثمون.. متسمرون.. متحفزون .. وضع غير عادي، لم يكن مفهوما بالنسبة لي، وانا طفل في الثاني الابتدائي بمدارس الوحدات.. هرولت صوب المدرسة.. وانا لا افهم ما يدور حولي.. وجوم على وجوه المدرسين.. لا احد يتكلم.. انتهى الدوام المدرسي.
في الطريق الى البيت.. كنت اقفز يسرة ويمنة.. لا افقه شيئا.. ما الذي يجري؟!
كل ما ادركه ان شيئا ما قد حدث.
وصلت الى البيت.. امي تجلس منتحية زاوية مع عدد من النسوة، يتهامسن بصوت خافت.. ( ابو عيسى الطيراوي.. اعتقلوه.. البلاد.. فلسطين.. اليوم وجه الصبح .. «لكوا» بحوزته سلاحاً.. عبدالناصر.. احمد سعيد.. صوت العرب..) مفردات اخرى كثيرة لم اكن افهم معناها..
صباح الخامس من حزيران من عام 1957ادركت من هو ابو عيسى الطيراوي.. ولماذا كان يخبئ السلاح.. في الوحدات.
ابو عيسى.. غادر الوحدات.. مرات ومرات.. تارة الى المعتقل.. وتارة الى (النفي).. واخرى الى المنفى!!
لكنه في كل مرة يعود الى مخيمه.. الى الزقاق اياه.. الى البيت بعينه.. حيث الفقراء واللاجئين.. الذين وعدهم ابو عيسى ومنّاهم بالعودة الى فلسطين.. حين كانوا يخبئون السلاح معه..
هذه المرة غادر ابو عيسى المخيم.. بمفرده.. لا اظن انه سيعود .. اجزم انه قد تسلل الى هناك..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «216» التاريخ : 31/10/2000 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق