الخميس، 14 أكتوبر 2010

رجل .. من «العالم الآخر»



قاوم الاستعمار بشكليْه القديم والحديث .. تصدى للأنظمة الخانعة والمنظمات الصدئة .. طُعن من الخلف كلما أدار ظهره في أي إتجاه ، من «القريب والغريب» ومن «العدو والحبيب».
رغم ذلك عبّر عن ذاته .. ثار .. تمرّد .. إنتصر للغلابا والفقراء والمسحوقين .. أشاح بوجهه عن الوشاية والوشاة .. والأتباع والأزلام .. داس بحذائه قيود الأنظمة والمنظمات ذات الطينة والطبيعة الواحدة وإن إختلفت التوجهات .. أكد إنسانيته .. صفع «الطّنطات» .. وقرر أن يستريح .. مات.
توافد لوداعه القوم من كل الأطياف يساريون يحملون علمهم الأحمر .. يمينيون يحملون رايتهم الخضراء ومسابحهم الطويلة .. إنتهازيون ومخبرون يحملون العلم الأبيض وتقاريرهم مُخبأة خلف ظهورهم لدسّها بقبره خلسة وشاية تسبقه الى عالمه الآخر.
حزنَ مُريدوه .. عمّ الفرح المكان بقاطنيه .. دُفن الرجل .. القوم يغادرون المكان كل في إتجاه .. حسب أهوائهم وأغراضهم بعد أن مات «الضمير».
نام الرجل ليلته تلك في عالمه الجديد بسكينة وأمان .. إستيقظ في صباح اليوم التالي يبحث عن قهوته .. لا قهوة في المكان .. لا ماء ولا غذاء .. راح يتحسس موقعه الجديد ويتفحصه .. لم يعثر على شئ ألفه من قبل .. ففراشه هواء وغطاؤه هواء وطعامه وشرابه هواء .. أحلامه وطموحاته كلها هواء بهواء .. الحقيقة المطلقة هي الهواء.
قرر الرجل تفقُد أحوال قومه الجُدد .. راح يبحث في شؤون القوم .. ويتقصى أحوالهم .. يسأل هذا وذاك .. كيف تسير أمورهم .. هل هي على ما يُرام .. هل الطائفية والإقليمية والتقييم على أساس قبلي وعشائري هو الشائع .. هل توقف الفساد .. هل تسود العدالة .. هل لا زالت الطبقات هي المسيطرة .. هل الوساطة هي المهيمنة .. تحسس مكامن الخلل .. قرر التحرك .. ما العمل .. تنظيم سري .. تردّد بُرهة .. حزب .. تنظيم .. بؤر ثورية .. صمت للحظة .. «البؤر الثورية» هي الحل.
للنائمين .. الوشاة .. المستفيدين .. المرتزقة .. خدَمُ الأنظمة .. أحذية المنظمات .. أوكار الليل .. بائعوا الهواء .. للظُلم والعدل على حدٍ سواء .. للقادة الثوريين وأشباه الثوريين .. للأئمة والرُهبان .. للأنسان .. للذي يتمسك بإنسانيته ..
«أبو العربي» وفرقته الثورية «الرحى» يُحرض بقصائده وغنائه أرجاء الوطن .. في مخيم حطين .. في الأرينا .. في البقعة .. في الوحدات .. في مخيم غزّة .. ومن أجل غزّة .. وحصار غزّة .. من أجل تحطيم الجدار الفولاذي وصانعيه والصامتين والمتواطئين ..
بعد أن أُعدّ له المكان وجُهز .. راح «أبو العربي» يصدح ويُنشد قصائده وأشعاره المفضلة على مسمع المئات من الفتيان وأمهاتهم وأخواتهم ، ممّن جاؤا لهذا المهرجان بمناسبة إنتهاء معرضهم .. معرض رسومهم .. تلك الرسوم التي حددوا من خلالها أعداءهم وأشباه أعدائهم .. وأصدقائهم .. والمتربصين.
«أبو العربي» يلف حطّته السوداء المرقّطة قبل ذهابه الى الصلاة يوم كلّ جمعة .. يتلبد .. يتلكك .. ينتظر أن تنطلق مظاهرة هنا أو هناك كي يعبّر عن ذاته .. كي يتأكد أنه لا زال حياً .. يُريد أن يعرف جوهره .. أن يختبر أمكانياته .. أن ينفث ما بداخله من غضب .. يمتطي أكتاف المتظاهرين .. يهتف .. حتى يبحُ صوته ..
«أبو العربي» .. لا يتكسّب من ذلك ؟! .. «أبو العربي» تلاحقه الأجهزة من كل الأصناف في كل الأزقة تحاول أن تُلقي القبض عليه .. يختفي في الأزقة وبين أكشاك الفقراء الذين يقدمون له العون.
هل .. يستحق «أبو العربي» أن يصبح مسؤولاً ؟! .. في يوم ما .. وفي زمن ما .. وفي تنظيم ما .. لمجرد أنه ألقى خطاباً هنا أو قصيدة هناك ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق