الأحد، 28 نوفمبر 2010

إسبتاحة وطن


 


حين كنا نقبع في السجون .. إعتاد مدرائها .. على مداهمتنا بين الفينة والأخرى وبدون إنذار مسبق .. وفي هجيع الليل وعلى نحو مباغت .. كان يُجهز فريق العمل من «مآمير الأشباك» والحراس .. وطواقم تلك السجون .. يعلن المدير حالة التأهب القصوى .. ويحمل عصاه تحت إبطه .. ويتجه مسرعاً صوب الداخل .. يشرع بمداهمة الغرف الواحدة تلو الأخرى.
تفتيش دقيق يثير القهر .. ويبعث على الإستفزاز .. ويؤذي النفس والوجدان .. سيما انه يتم تحت جنح الظلام .. والمعتقلون يغطون في سبات عميق .. ويستمر حتى الصباح .. كانوا يبحثون عن الممنوعات  .. زجاجة عطر .. رسالة حب .. كتاب ممنوع .. راديو «ترانزستور» صغير .. فرشاة أسنان .. شمعة .. خطاب تسلل عبر الحدود من الرفاق او ردٌ عليه كتب على عجل خوفاً من المداهمة ..
كانت المداهمات .. تعود بخفي حنين .. ذلك ان المعتقل يتوخى الحذر دائماً .. فيخفي كل هذه الأشياء .. في وجدانه .. او في تلافيف دماغه ..
وعندما لا يفلح طاقم التفتيش في العثور على مراده .. يتولى مصادرة الملاعق .. والصحون .. أو «فرشة» بائسة بحوزة هذا او ذاك .. وربما مصادرة بيضة .. ليس لهم من هدف سوى إظهار المزيد من القوة .. والبطش .. وإثبات الهيبة .. المهم ان يظل المعتقلون في حالة توتر دائم .. وإستنفار مستمر .. كجزء من حملة نفسية مرسومة ..
قرار مجلس الأمن رقم 1441 الصادر عن الأمم المتحدة بحق العراق .. يهدف إلى إستباحته .. العراق برمته مستباح .. رجال .. نساء .. أطفال .. رياضيين .. علماء .. الكل مستباح حتى العملاء .. وبائعات الهوى .. وراقصات الملاهي الليلية .. فعصابات التفتيش الدولية تجوب الأرض شمالاً .. وجنوباً .. جهاراً .. ونهاراً .. وتحت جنح الظلام .. في الجامعات .. في المصانع .. في قصور الرئاسة .. في الملاجئ .. في البراري .. تحت ظلال النخيل .. في المقاهي .. في الحانات .. في كل مكان .. تفتيش .. تفتيش .. تفتيش .. بحثاً عن (أسلحة دمار شامل) .. وردة هنا .. نخلة هناك .. طفل يحب الحياة .. المهم ان ينالوا من العراق .. وان يظل العراق في حالة توتر دائم .. غير قادر على الإبداع .. او إستعادة حيويته وإستقراره .. وبالتالي تقدمه وإزدهاره.
أيها السادة : كان العرب في الجاهلية يحفظون معلقاتهم .. وأشعارهم عن ظهر قلب .. لم تكن تلك المعلقات قد أودعت بطون الكتب .. او في أحشاء أجهزة الكمبيوتر .. وحين أطل فجر الإسلام .. حفظ العرب والمسلمون القرآن الكريم عن ظهر قلب .. لم يكن محفوظاً إلا في القلوب .. والعقول  .. لم تختفي منه سورة واحدة .. ولا حتى كلمة.
نقول للأمم المتحدة .. ولأمريكا ان العراقيين يحفظون أسرارهم في عقولهم وقلوبهم .. ومهما تعرضوا للتفتيش فلن تجدوا ضالتكم .. لأن ما يحفظه العراقيون الآن هو إمتداد للشعر العربي .. وإمتداد للقرآن الكريم .. ولا يمكن بحال من الأحوال التفريط فيه او نسيانه ..
صمت مشبوه يثير الريبة .. جحود .. تنكر .. خذلان .. ما أقسى التنكر .. والخذلان .. بعد العراق ليس بمقدور أحد ان يرفع رأسه .. ولن ينجو أحد ..
تفتيش .. تفتيش .. تفتيش .. العراق مستباح ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «301»     التاريخ : 31/12/2002     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق