في عالمنا الثالث .. درجت العادة كلما تقرر تدشين جامعة جديدة .. أن تبدأ بكلية الآداب والفلسفة .. ثم بقية العلوم الإنسانية الأخرى .. كعلم النفس وعلم الاجتماع وكلية التجارة على اعتبار أن التجارة مهنة ضاربة جذورها في القدم .. وعندما تتوطد الجامعة وتفرض نفسها على الواقع وتثبت أقدامها كجامعة مستقرة تبحث عن العراقة .. بفتح كليات جديدة .. كالطب .. والهندسة .. والصيدلية .. الخ من التخصصات الكبرى والضرورية..
في كلية الآداب .. كنا ندرس ونتذوق إنتاج أمرئ القيس والمتنبي وأبو العلاء المعري والجاحظ وابن المقفع .. وجمع كبير من أعمدة الثقافة والحكمة .. في التاريخ القديم والمعاصر .. أما في الموضوع الفلسفي .. فكنا ندرس الغزالي وابن رشد وهيجل وديكارت وماركس وجان بول سارتر.. في الموضوع الاجتماعي كنا نتتلمذ على هدى ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ..
كانت ثمة أسباب موجبة لافتتاح كليات جديدة .. إنسانية .. وعلمية .. راهناً طغت كثيراً تخصصات جديدة ومتعددة لم تكن معروفة من قبل .. تندرج في اطر شتى .. المال والأعمال .. العلوم المصرفية والتسويق .. الحاسوب وعوالمه الواسعة والمذهلة في آن واحد هذه العلوم الجديدة والإختصاصات أملتها الضرورات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية .. كانت ولا تزال على تماس مباشر وغير مرئي بالعولمة وروادها وأزلامها ..
إذن الضرورة تملي وتفرض خصائصها وحاجاتها .. لها شروطها .. ووظائفها .. وأنماطها .. وأزلامها .. ومريدوها .. وقادتها .. وأشباحها .. وخصيانها .. كل قانع بحصته ومكانه وزمانه .. المهم أن يكون له مكان في الغنيمة والهبش.. بصرف النظر عن المقدار المهبوش ؟! ..
الآن وبدون تلكأ أو تردد أو إعاقة .. الضرورة تلح .. الضرورة تضغط علينا لإفتتاح تخصصات جديدة في علم الكذب والزندقة .. لأن أغلبية الذين يتصدون للحياة العامة من الزنادقة والكذابين .. (ومش رايحه إلا على الغلابا والفقراء والمقهورين إللي مصدقين قصص النبل والشرف والفضيلة) .. والذين تربوا على أيدي آبائهم وأمهاتهم على الصدق والأمانة .. كأبناء الكتاب والمفكرين والمناضلين والفلاحين البسطاء .. الذين أفنوا أعمارهم في تربية أبناءهم على تلك المُثُّل ..
أبناء هؤلاء لا مكان لهم في السوق .. وهم بأمس الحاجة للالتحاق فوراً وبدون تأخير بتلك الكليات الجديدة ..
حياتنا العامة مكتظة بهؤلاء الزنادقة والمنافقين .. نصادفهم ونحتك بهم في كل الأماكن وباستمرار هؤلاء الأشخاص يملكون مواهب خارقة في هذا الشأن .. الحاجة الوطنية باتت ملحه لالتحاق هؤلاء كأساتذة وعمداء في تلك الكليات المزمع إفتتاحها ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «566» التاريخ : 1/4/2008 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق