الأحد، 28 نوفمبر 2010

زعيمة الشعب

 



مصرع بناظير بوتو لم يأتِ من فراغ .. وإنما هو نتاج لأزمة الحكم في الباكستان منذ تأسيسه .. جريمة الإغتيال هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما دام العسكر يهيمنون على الحياة السياسية في البلاد .. فالأزمة الأخيرة أساسها الجنرال برويز مشرف الذي إغتصب السلطة بانقلاب عسكري وعطل الحياة السياسية منذ ثماني سنوات حيث لم ترى البلاد الأمن والراحة منذ ذلك الوقت ..مؤامرات تلو المؤامرات يحيكها هذا الرجل لضمان بقاءه وتفرده في السلطة .. أزمة مع بناظير وأخرى مع نواز شريف .. أزمة مركبة مع القضاة والقوى الحية .. أزمة مع الشعب الباكستاني برمته ..
الصراع في باكستان صراع متشعب .. ومعقد .. طائفي .. أثني .. بنغال .. بنجاب .. وقوميات .. والصراع بينهما محتدم .. وقد أدى سابقاً إلى إنفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش) عن توأمها باكستان الغربية حين رفض العسكر (البنجاب) القبول بنتائج صناديق الاقتراع .. عندما فاز حزب رابطة عوامي بقيادة البنغالي مجيب الرحمن  بالأغلبية الساحقة من الأصوات في الباكستان الموحدة .. عندها دفع الجنرال يحيى خان الحاكم العسكري لباكستان جيوشه لإخضاع الجزء الشرقي من البلاد بقوة السلاح .. حيث أرسل ما ينوف عن المئة ألف عسكري لتأديب وإخضاع البنغاليين .. حلت هزيمة مدوية بالجيش الباكستاني وإستسلم للجارة القوية الهند في أقل من أسبوعين التي هبت إلى نجدة البنغال الفقراء وقائدهم مجيب الرحمن .. وإضطرت الباكستان الى الإعتراف بالحقيقة وبالتالي  بالدولة الوليدة (بنغلاديش) نتيجةً للسياسات العرفية والإقليمية التي مورست حيال البنغال ..
ونتيجة منطقية للهزيمة .. توارى وإختبأ العسكر لبعض الوقت ..  حين اضطروا مكرهين لتسليم السلطة لحزب الشعب بقيادة علي بوتو الفائز بالأغلبية في باكستان الغربية .. علي بوتو .. اليساري المنحاز لفقراء بلاده .. إقترب بسياساته من الصين الشعبية والعالم العربي .. قام بإصلاحات سياسية واجتماعية كُبرى في الباكستان .. حيث ألغى النظام الإقطاعي ووزع الثروات على الفقراء والفلاحين .. مما أسس قاعدة إجتماعية ضخمة لحزب الشعب وتراثه .. استفاد منه ورثته السياسيون في مقدمتهم إبنته بناظير بوتو ..
لم يرق الرجل للعسكر .. ولا للقوى اليمينية الصاعدة .. كذلك لأعداء الباكستان .. فزرعت له المتاعب والفتن الأثنية .. الطائفية .. كمقدمة للتحضير لانقلاب عسكري نُفذ في موعده المحدد ..  وإعتقل الرجل وأعدم .. بتصميم من الجنرال ضياء الحق الذي أدار الظهر لكل النداءات الإنسانية بالإبقاء على حياة علي بوتو .. ومن جديد عطلت الحياة السياسية في باكستان الى أن لقي ضياء الحق مصرعه في حادث سقوط طائرة مدبر .. فلقد إنتهى دور الجنرال.
بعودة الحياة السياسية في باكستان فاز حزب الشعب بالأغلبية الساحقة من الأصوات وتكراراً لما حدث مع والدها لُفّقت التهم لوريثته السياسية بغية إقصائها .. سجنت .. غُيبت .. أُبعدت .. نفيت الى خارج الباكستان .. عادت .. وانتصرت .. من جديد لفُقت لها التهم  .. أقصيت .. لم يكتف الخصوم بذلك .. قتلّت بناظير بوتو في وضح النهار وأمام عشرات الألوف من مناصريها .. وأتباعها.
زعيمة الشعب .. بناظير بوتو لم تفزْ .. لم تصبح وزيرة .. لم تصبح زعيمة .. بقوة الكوتا النسائية .. بل بمساندة واصطفاف الملايين أمام صناديق الاقتراع لانتخابها طوعاً مع الإحترام للنساء في بلادنا ..






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «553»     التاريخ : 1/1/2008     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق