الأحد، 28 نوفمبر 2010

الجدار ..

 



هاتفني صاحبي وهو يكاد يطير من الفرح .. طالباً لقاءً سريعاً .. ذهبت إليه على الفور .. ولما إلتقينا بادرته بالسؤال ..(خير إن شاء الله) .. قال : غداً سوف أكون في فلسطين !!؟ .. وهمس في أذني .. ها أنا أعلمك .. دير بالك على الأولاد !! .. قلت في نفسي .. اللهم نصْرّك .. فالرجل يحب الخلود والخالدين .. وربما يفعلها .. كما فعلها سلفه ورفيقه خالد أكر .. فينتقم من الصهاينة .. لكل هؤلاء الغلابا والمقهورين .. ويثأر لنفس الشهيد عماد مُغنيه .. ورحت أحدث نفسي .. ربما يفعلها ..
ولعل الرجل يذهب إلى قرية بلعين ويقود أهلها في مواجهة ساخنة هناك مع قوات الاحتلال .. ضد الجدار والمعابر والحواجز .. «فأبو الخُلد» أهل لذلك .. راحت الصور تلوحُ أمامي .. كلقطات من شريط سينمائي .. فشاهدت الرجل وهو يرتدي «الشورت» الأحمر .. و(الفانيله) الخضراء .. ويقفز كالفهد .. صوب الجدار .. حاملاً بين يديه علم الوحدات الأخضر .. وبقفزة واحدة وإذا به قد تسلق الجدار زارعاً علم الوحدات مُزداناً بشعاره فوقه وهو يهتف عاشت فلسطين حرة عربية .. الموت للغزاة ..
أما صاحبه ميسور الحال فقام بشراء بلدوزر عملاق «همر» .. من حر ماله .. وراح يقوده بنفسه صوب الجدار .. ويقوم بضربه هنا وهناك فيفتح الثغرة تلو الثغرة .. ثم قام بملاحقة جنود الاحتلال بآليته .. وهم يفرون أمامه كالخراف .. مما أعاد إلى ذاكرتنا صنيعة السينما الأمريكية «رامبو» .. كيف لا وصاحبنا .. شعاره المُفضل .. (الحياة وقفة عز) ..
وأمام المشهد المهيب .. راح أهالي قرية بلعين يهتفون (عليهم .. عليهم) .. (وحداتي ما بروّح إلا الراية مرفوعة)..
نهضت من النوم من شدة الفزع والفرح .. مذعوراً .. كيف لا .. ورفاقي في خطر .. ربما اعتقلهم الصهاينة .. .. أو حصل لهم أي مكروه .. ربما نالوا الشهادة .. على الفور .. خطفتُ هاتفي .. ورحت أبحث عنهم في كل مكان .. ولا من مجيب (لا تندهي ما في حدا) .. فازداد قلقي .. وشغفي لمعرفة ما حدث .. فاتصلت على الفور .. بصديق لي هناك .. وأبلغته بضرورة البحث عنهم .. وفي كل الأماكن .. ليوافيني بالخبر اليقين في أقصى سرعة .. وبعد ساعات هاتفني الرجل المكلف قائلاً : أصدقاؤك ينعمون بالأمن والرفاهية وآخر حلاوة .. فسألته أين هم الآن .. فقال في كازينو أريحا .. وراح الرجل يصف لي المكان بدقة .. قائلاً : صاحبك ميسور الحال يجلس منفرداً على حافة طاولة عملاقة خضراء اللون .. تشبه ملعب كرة القدم .. وبجانبه تقف امرأة جميلة ممشوقة القوام .. تقوم بخدمة صاحبنا الميسور .. وترتب له (فيّش) اللعب .. وصاحبنا الآخر يرقصُ كلما لاحت في الأفق مكاسبٌ جديدة .. وفي ذروة انسجامه جاء إليه أحد أبناء العمومة ليشاركه اللعب .. فرفض صاحبنا بشموخ !! معتذراً أنه يحب اللعب منفرداً .. وكلما انتهى شوط تنحني المرأة للقيام بالخدمات المعهودة من جديد تاركةً قلادتها الذهبية تتدلى على صدرها .. أهداها للتو صاحبنا   كعربون محبة وفالِ خير لمشواره المعهود .. نُقشَ عليها بعناية شديدة (الحياة وقفة عز).
أفهم لماذا يبقى البعض في المطارات العربية والمعابر والحدود لساعات طويلة .. وأفهم أيضاً لماذا تُنجز جوازات البعض في لمح البصر في تلك المعابر والحدود ..
من كازينو لبنان إلى كازينو أريحا والعكس بالعكس ..




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «560»     التاريخ : 19/2/2008     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق