ثمة خلط واضح في المفاهيم السائدة لدى المجتمع الأردني حول ما اصطلح على تسميته .. بـ «المال السياسي».
الكتاب .. والصحافيون .. والسياسيون .. والبسطاء من العامة .. كل هؤلاء يسمّون المال الذي ينفقه المرشحون على الحملات الانتخابية لمجلس النواب وغيره من العمل العام ، ببذخ كبير على الولائم والعزائم وخدمة الناخبين ورشوتهم بـ «المال السياسي» .. ناهيك عن عمليات الشراء الكبرى التي يقوم بها وكلاؤهم ومندوبوهم للأصوات أفراداً وجماعات .. والحقيقة أن هذا المال .. لا يجوز تسميته بـ «المال السياسي» لأنه غير ذلك تماماً .. فالكثير منه .. مالٌ قذراً .. يتم جمعه من الملاهي .. والأوكار الليلية التي يملكها بعض المرشحين .. أو من جراء الصفقات المشبوهة التي ينجزها كبار التجار ، والوكلاء ، والمقاولون ، والسماسرة .. فهذا المرشح .. يمتلك من الملاهي والأوكار والمقاهي التي تبيع السموم للشبان والشابات .. ليلاً نهاراً .. مما يدُّر عليهِ ألوفاً من الدنانير يومياً .. وذاك يملك أسطولاً من السيارات .. لا يضاهيه احد .. يوضع في خدمة من يدفع أكثر .. مهما تكن هويته .. ومهما تكن أهدافه .. هذه هي طبيعة المال .. المُنفق في بلدنا على الانتخابات والمنتخبين ؟!
لقد تم إعتقال بعض السماسرة ، والوسطاء متلبسين بفعلتهم تلك .. ومع ذلك أُخلي سبيلهم في الحال .. ذلك بفعل النفوذ .. وقوة المال إياه .. وحفاظاً على السُمعة .. فنحن معشر الأردنيون .. لا يهمُنا حدوث الجريمة .. بل يهمُنا التستر عليها .. حفاظاً على الشرف والعفة .. فالسُمعة تهُمّنا كثيراً وإن كانت مُزيّفة .. مئات الوقائع رُصدت ودونت بالصوت والصورة .. من عمليات الفصال والسمسرة .. وما بينهما .. ومع ذلك نتحدث عن انتخابات شفافة ونزيهة ؟!
ولتوضيح ماهية وطبيعة وجوهر المال السياسي .. هو المال القادم من دول أو منظمات دولية أو إقليمية تحمل ايدولوجية ، ورؤيا معينة .. تود بعثها ، ونشرها ، وتعميمها .. كما ترغب في زيادة نفوذها في دول بعينها .. لتصبح هذه الدول ، مناطق نفوذ ، وحدائق خلفية لها .. من خلال دعمها للأحزاب والمنظمات والجماعات والأفراد المؤيدين والموالين لهم .. والمروجين لأفكارهم (كأمريكا والسعودية وإيران).
لقد انتهت الانتخابات الأردنية بما آلت إليه ، وحُسم أمرها ، وصحيح أن السلطات لم تقم في المرحلة الأخيرة من الإنتخابات بأي إجراء يساند هذا المرشح او ذاك بشكل مباشر وعلني كما جرى في الانتخابات السابقة ، حيث أمتلأت الصناديق على بكرة أبيها بالألاف المؤلفة من الأوراق الناخبة لهذا أو ذاك من الموالين والمدعومين .. ودليلنا على ذلك الأرقام المتواضعة جداً .. والباهتة التي حققها نجومهم أصحاب الحظوة من قبل السلطات .. والذين كادوا أن يتدحرجوا إلى القيعان ، أمام مرشحين عاديين ، لم نسمع بهم من قبل .. والفوارق لا تكاد تُذكر !
استمعنا إلى المؤتمر الصحفي الذي اطل علينا من خلاله مسؤول رفيع المستوى .. وتحدث طويلاً عن الانجاز .. وأكد أن ما جرى هو الإرادة الشعبية الحرة بعينها .. كيف تكون هذه الانتخابات ، هي الإرادة الشعبية الحرة ، ولم يشارك فيها أكثر من 25% من المسجلين للانتخابات في عمان .. ولا نريد ان ندخل في سجال عن مئات الألوف من المواطنين العازفين عن الدخول في تلك اللعبة المعروفة نتائجها مسبقاً !
كلنا نعرف .. مواطنون ، ومسؤولون ، وفي مقدمتنا الجهات المُشرفة على الإنتخابات ، كيف كانت تدار سراً .. وعلانية .. وأمام الملأ .. وكيف كانت تباع الأصوات تماماً كما تباع الخراف «بالجُملة والمُفرق» .. لم يحرك المسؤولون ساكناً حيال ذلك .. واكتفوا بالمشاهدة والدعاء بالتوفيق للبائعين والمشترين على حدٍ سواء.
] تُرى لو فكر شابٌ يميني كان أم يسارياً .. في يومٍ ما .. وقرر طباعة منشور سياسي .. يحملُ رأيه ، في ما يجري في المنطقة من أحداثٍ جسام .. فكيف تكون حالته ؟
مشواركُ دنيا مرعبةٌ .. وحياتك أصفارٌ وحروبُ .. لكن سماءك ممطرةٌ وطريقك مسدودٌ مسدود .. أما أفكاركُ فنائمةٌ تحرسها «كلابٌ» وفهود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشرت في المدونة التاريخ : 14/11/2010 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق