الأحد، 28 نوفمبر 2010

للذي فقد عقله

 



ثمة مسائل هيمنت على هواجس وأفكار الفلاسفة والباحثين منذ بدء الخليقة .. لم تجد لها إجابات أو حلول حتى الساعة .. ألا وهي «الإنسان» وقد تصدّى في العصور العابرة لتلك المسألة كبار الفلاسفة والمفكرين .. أفلاطون .. أرسطو .. لكن المسألة لم تُحسم بعد .. لم يقتصر الأمر على هؤلاء بل تعداه الى ما هو أشمل وأرقى : الأنبياء والرسل عبر التاريخ الطويل للبشرية ..
وانبرى كذلك في عصور النهضة الإسلامية فلاسفة كثر كبار .. الفارابي .. إبن رشد .. الغزالي .. البغدادي .. لوضع حدٍ لحالة القلق والأرق التي تُهيمن على حياة الإنسان .. لكنه بقي على حاله .. هائماً على وجهه .. تائهاً .. طريداً .. شريداً ..
من جديد حاول الفلاسفة المُبدعون .. هيغل .. ماركس .. سارتر .. كولن ولسون .. وآخرون التصدي لتلك المسألة والإنتصار للإنسان لتحريره من الخوف .. والقلق .. والغُبن .. وإنصافه .. لكنه كعادته مُنذ نشأته .. لم يهدأ .. لم يرضَ .. لم يستقر .. ولن يشبع «خُلق الإنسان في كَبَدْ».
في العصور الأولى .. عصر الرّق والعُبودية .. وعصر الإقطاع وسيادة المُلاك .. الى عصر هيمنة المرأة .. إستمر الجدل في المجتمعات والتجمعات .. والأمصار والأقطار .. لحل اللغز .. وملء الفراغ .. والإلتقاء على مساحةٍ وسط .. تُريح المتجادلين والمتصارعين .. لكن النفوس لم تهدأ .. واستمر الجدل بلا حدود .. وعلى طريقة أهل بيزنطة «الجدل من أجل الجدل».
في ذات السياق .. تم حشو الواقع بكمٍ هائل من الكذب .. وكثيراً من الإدعاء ..
في مجالسه .. وبين مُريديه ومُنافقيه .. يبتهج .. يتفرسن .. يزهو .. يفور كإناء يغلي .. يكذب على نفسه كما يكذب على الآخرين .. يقول مُخاطباً نفسه .. لقد وصلت .. لقد صعدت .. لقد إنتصرت .. لقد حفرتُ طريقي بأظافري وأسناني .. يتظاهر بالوقار والصدق والنزاهة .. يقول لقد بذلت الكثير من الجهد والوقت والمال .. لم يساعدني أحد .. فأنا معبود الجماهير وحبيبها .. لقد أفنيتُ عمري ووقتي ومالي .. في خدمة الناس .. وفي خدمة العمل العام .. ينظر الى حذائه .. يضحك في نفسه .. يعرف أنه لم يُكلف نفسه بالإنضمام الى هذه الرابطة أو تلك .. أو هذه الجمعية أو المؤسسة .. فقد قام بكلّ شيء آخرون .. لديهم مشروع مهم وهادف .. لكنه تمسكن حتى تنكر .. يشطبُ من ذاكرته كُل من قدّم له يدّ العون .. وساعده على الوقوف والمشي والقراءة والكتابة .. لكنه يُصر على شطب الذاكرة .. شطب الحقيقة التي تلاحقه .. والسيرة الذاتية لهؤلاء القوم الذين ساعدوه .. وساندوه .. وأيدوه .. حين كان نسياً منسياً ..
هو لا يزال كذلك .. بعد نزع مظلّة الحماية .. وحجب الرافعة التي كانت تأويه وتحميه ولكن الإنسان بطبعه ناكر للجميل «إلا من رحم ربي».
عندما يُخفق أحدهم لسببٍ ما .. ينتابه السأم .. واليأس .. ويغدو يُكيلُ التُهم في كل الإتجاهات .. يلاحقه الهوس يُداهمه الغضب .. ينتابه الهيجان .. يبحث عن المشاكل .. يفقدُ عقله.
للذي فقد عقله .. الأوغاد غالباً ما يبحثون عن الطريق الخطأ.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «665»     التاريخ : 23/3/2010     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق