ما حدث بعد المباراة بين فريقي نادييْ الوحدات والفيصلي يوم الجمعة الماضي ، حدثٌ كبير يجب التوقف أمامه بدقّة .. فالمباراة إنتهت نهاية طبيعية ولم تشهد أيّة حوادث أو إستفزازات من جانب الفريقين .. جمهور الفيصلي غادر الملعب بعد صافرة النهاية منعاً لأي إحتكاك كما هو متفق عليه .. جمهور الوحدات يحتفل بطريقته بفوز فريقه الذي قطع نصف الطريق نحو القمة ، متقدماً بفارق مُريح يؤشر الى أن بطولة الدوري قد عادت أدراجها الى العرين الأخضر .. فجأة .. وبدون مُقدمات إنهالت قوات الدرك وبأسلوب عنيف إستوطن في رؤوسهم منذ زمنٍ بعيد ، فبدون حوار .. أو طلب من الجماهير بمغادرة المكان ، إنهالوا عليها صغيرها وكبيرها «وبالهروات» مما أدى الى «تكوّم» آلاف الناس أسفل المدرج ، هرباً من «القناوي» وخشية من الإصابات .. هذا الإزدحام ، والضغط الهائل من طرف الجماهير أدى الى إنهيار الشبك الفاصل بين المدرجات ، وأرضية الملعب .. الصُدفة وحدها .. وكثيراً من الحظ .. هي التي حمت الناس من موت مُحقق ..
رغم ما حدث من مأساة لم تتوقف «الهراوات» بل إزدادت ضراوة ، وكأن الحل يكمن في العُنف وحده .. ولا حل غير ذلك ، لا الهدوء ولا إستيعاب الناس ولا التعامل معهم كبشر .. المدرسة هي ذاتها مدرسة العُنف والقهر والأذلال.
سلوك رجال الدرك هذا لم يكُن إستثناء .. فطوال السنوات التي أُسندت لقوات الدرك مهمة الحفاظ على الأمن الجماعي .. لم تكن هذه القوات جزءاً من الحل .. بل أصبحت هي المُشكلة .. فقد ظلّ التعامل مع التظاهرات والإحتجاجات والإعتصامات بنفس العقلية ونفس النهج مهما إختلف شكل ولون الطرف الآخر ؟!
صحيح أن العُنف لم يقتصر على جماهير نادي الوحدات وحده ، بل تعداه الى جماهير أندية أخرى ، بما في ذلك أنصار النادي الفيصلي ، كذلك النواب .. والمتظاهرين .. والمحتجّين .. على إختلاف أصنافهم وألوانهم .. ولكن الصحيح أيضاً ، أن أنصار الوحدات يتعرضون للعُنف والتعسف بكثير من المغالاة وكأن هؤلاء المواطنين أقل شأناً من الآخرين ولا نصير لهم ، ويسهل التعرض إليهم .. وقمعهم .. دون الإحساس بالخوف من المساءلة.
فالدركي بالمحصلة .. إنسان ومواطن من حقه مشاهدة كرة القدم .. ومن حقّه أيضاً أن يشجع فريقه المفضل فيصلي كان أم منشية ؟! ولكن عليه أن يفهم أنه هنا لحفظ الأمن بعيداً عن مشاعره الخاصة به ففوز فريقه أو خسارته ليست هُنا موضع وظيفته .. وعلى الجهات التي تدير وتُشرف على هذا الدركي أن توضح له مهمته بشكل جلي بعيداً عن الإجتهاد والمُيوعة .. كما عليه أن يحافظ على الأمن والنظام وأن يتسم بالحياد والموضوعية والمساواة وعليه مساعدة الآخرين لأن هذا جوهر وظيفته لا قمع الناس.
في الماضي القريب .. في الزمن العُرفي .. كان «البُعبع» جهازاً آخر .. هذا الجهاز طوّر أحواله وثقّف منتسبيه وزج في صفوفه المئات من الكفاءات الذين يتلقون الدورات الواحدة تلو الأخرى في أصول التعامل مع الآخرين ، بحيث أصبح المواطن لا تعتريه مشاعر الخوف والفزع عندما يذهب لمراجعة ذلك الجهاز ، ولعل في ذلك حكمة لقوات الدرك وغيرها .. في بلدنا حتى القُضاه المتعلمين والمتخرجين يتلقون دورات في فنّ التعامل مع المتهمين.
قد لا تُعجب وجهة نظري هذه الكثيرين من المسؤولين في الدولة والنادي على حدٍ سواء ورُبما في الشارع أيضاً .. المُشكلة ليست فيما حدث يوم الجمعة .. بل في الإحتقان المُزمن في وجدان الناس .. كل الناس وكأن الدولة في واد والناس في وادٍ آخر .. لقد أصبحت كرة القدم هي المتنفس المتاح للناقمين والمقهورين والمأزومين والمهزومين من جهة ، ومن جهة أخرى للحاقدين والمستفيدين والمغالين في التطرف.
كيْ نتصدى للأزمة المستوطنة في أعماق المواطنين في بلدنا علينا أن لا نعالج الإحتجاجات بأسلوب بوليسي فظّ بل البحث في جذور المشكلة وأسبابها .. هذه الجذور العميقة المترسخة في أعماقنا نتيجة الظُلم والتعسُف والإحساس العميق لدى المواطن البسيط العادي أنه مستهدف على الدوام.
الحلّ تحقيق العدالة والإحساس بالمواطنة .. وبناء مواطن جديد .. يؤمن بالوطن .. ومستعد للدفاع عنه أمام المحن والمخاطر.
وكي لا تكون حياتنا وقفاً على جندرما في المنزل .. جندرما في الطرقات .. جندرما في الملعب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «701» التاريخ : 14/12/2010 سامي السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق