الاثنين، 20 ديسمبر 2010

الرجل .. الذي كان هُناك



 

الحِراك الشعبي والنيابي الذي ترافق مع الأحداث المؤسفة التي تعرّض لها جمهور الوحدات في ملعب القويسمة حِراك محمود والتضامُن المنقطع النظير من أنديتنا ومنظّمات المجتمع المدني بأطيافها وألوانها كلها عبّرت عن رغبة أكيدة بضرورة إجراء تحقيق عادل وشفاف ينالُ منها المخطئ جراءَ خطيئته ويُعاد للمظلوم حقّه وكرامته ، لم يتوقف الأمر عند ذلك ، تعالت الأصوات ، منها العاقلة ، وأخرى الجاهلة لا ترى أبعد من أنوفها ، إستمر الحِراك وإلتقت أمس إدارات الأندية تمثل البلاد بطولها وعرضها ، فمن منشيّة بني حسن الى منشيّة بني حمّور ، الكرمل ، والجليل ، والعربي ، وإتحاد الرمثا ، والسخنة ، نواب حاليون وسابقون من كل الأطياف ، كانوا هُنا للإعراب عن وقفتهم وتضامنهم مع نادي الوحدات في مِحنته الإخيرة.
تحدّث الجميع ، وضعت المشكلة ومقدّماتها وأسبابها وكيفية الحلّ على الطاولة ، حُرّية التعبير مُصانة هُنا ، فلا مكان للقمع والهروات ، الوحدات كان دائماً وسيبقى واحة للحرية والديمقراطية والإنسان ، واحة للوطن.
البحث عن الحلّ هو الهدف ، يجب وقف التدهور في العلاقات بين النادي من جهة ، والسلطة من جهة أخرى ، حوارنا يجب أن يتسم بالوعي والمرونة والمسؤولية ، بدون تشجنّج ، وبدون أجندات.
غادرنا المكان كلٌ في طريق ، إتجهتُ للإلتقاء بصديق لعلنا نجد فيلماً يُناسب المرحلة ، الأفلام المعروضة كلها «أيّ كلام» في إنتظار أعياد الميلاد ، إحتسينا ما تيسر من الشاي والقهوة دعانا إليها صاحبنا مدير المكان وسيّده ، تركناه لإرتباطه بموعد مع أعز الناس إليه ، هرولنا نحو القاع في تلك الليلة التي إستوطنها البرد ، وعقارب الساعة تلهث نحو المنتصف ، رُحنا نتجول في الساحة طولاً وعرضاً ، أهلكني صاحبي بصراخه المستمر بشأن مسألة كانت موضع بحث ، راح يتندر على الآخرين ، ويسخر منهم ، لم يعجبه أحد ، اعتقاداً منه أنه فوق الجميع ، رُبما لديه بعض الحق ، فتميّزه عن الآخرين سلباً وإيجاباً مسألة لافتة ، فالرجل لا يُساوم ، يُحب المكان لدرجة العبادة ، لم ينظر إليه يوماً ما كمنطلق لكرة القدم ، بل مكان مقدس وصاحب رسالة كما يقول ، يتصدّى للصغيرة والكبيرة بنفس الإنفعال ، بنفس العُنف.
يراه الآخرون كما يراهم ، مغروراً ، مُتعالياً ، متعصّباً ، فجّاً ، ثمة بعض المبالغة والمُغالاة بما يقول ويُقال عنه ، لكن الحقيقة أنه يتميّز عن الآخرين بإخلاصه اللامحدود لمن يُحب ، ولمن يعتقد أنه أهلاً لذلك ، مستعد لأن يخوض أعتى الحروب بعيداً عن النتائج إذا ما تشكّلت لديه قناعة ما.
راح يتهمني بمجاملة هؤلاء «الدون» الذين لا يستحقون مني أدنى درجات الإهتمام ، أضحك حيناً ، وأُزمجر حيناً آخر ، من تطرفه ، ظلَّ يطرق رأسي والبرد القاسي يفتكُ بي ، من شدّة إنفعاله لم يشعر بالبرد ، رغم كوننا «قُرعان» ، إنصرف بعد أن إعترف أن البرد شديداً والمسألة لا تستحق كل هذا الصقيع.
البرد القارص بجوار «مكّة مول» أعادني للوراء ثلاثة وثلاثون عاماً ، الزمان : أواخر كانون الأول 1978 ، المكان : ستاد عمّان الدولي ، الحدث : مباراة بين فريقي الوحدات الصاعد حديثاً ، ونادي الجيل الذي تصدّر لفترة وجيّزة مقدمة الأندية في الأردن ، المواجهة حامية ، ومع صافرة النهاية إنقض بعض لاعبي «فريق الجيل» بالضرب على «باسم تيم» حارس الوحدات ، فهبَّ لنجدته غسان جمعة ، لم أستطع أن أكون مُحايداً ، إنغمستُ في العراك ، تدخلت الشرطة ، ساقتنا نحن الوحداتيون الى مديرية شرطة العاصمة في العبدلي ، زجّوا بنا في غياهب «النظارة» التي كانت في إنتظارنا ، كُنا خمسة ، لم يُعتقل أحد من الجيل ، لم تكن المُعادلة متوازنة ، أحد أطراف النزاع رغم قلّته العددية يملك كل شيء ، المال والسلّطة ، الطرف الآخر رغم كثرته لا يملك من أمره شيئاً ، تحرك الرجل ، استنفر حواسه ، استنفر معارفه ، استنجد بالآخرين ، أثار حميّتهم ، إستفز فيهم روح القبيلة ، تحقق التوازن ، مع كل صباح يأتينا الرجل ، يحمل إلينا ما نُريد ، لا يغادر المكان إلا نادراً ، يحضر إلينا في المساء يحمل معه ما تيسر ، تدخلت القبائل والأعراب ، طالبوا بالعدل والمساواة ، يجب إحضار الجميع هُنا «للنّظارة» ومثولهم أمام العدالة ، أو إخلاء معتقلي الوحدات فوراً ، أمضينا خمسة أيام باردة في «النّظارة» القميئة ، لم يتركنا الرجل ، لقد تحقق له ما أراد ، فالرجل كان دائماً هُناك ،
] رحِمَ الله عمر غنّام ، والصحّة والكرامة لصانعي تلك المرحلة المجيدة في مسيرة نادي الوحدات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «702»     التاريخ : 21/12/2010     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق