الاثنين، 17 يناير 2011

بن علي .. وعربة الخضار ..






لم تكن الأحداث الطاحنة التي شهدتْها تونس مؤخراً وأدت الى فرار «الطاغية» مفاجأةً كبيرة بالنسبة للمتابعين للشأن التونسي .. فتونس ومنذ أكثر من ربع قرن تئنُ تحت ضربات الطغاة و(بساطير) العسكر و رجال المال الفاسدين الذين يتحكمون في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. أما حصة الشعب فهي «الفُتات» ولا شيء غير ذلك .. تونس التي نالت استقلالها أواسط القرن العشرين بعد كفاحٍ مرير وتضحياتٍ جسيمة من أبنائها ، وانحسار الاستعمار بشكله القديم لمصلحة القوى الجديدة الصاعدة في العالم ، والتي انتجت بالضرورة المعسكريْن الرئيسيين (الامبريالي) بقيادة الولايات المتحدة و(الاشتراكي) بقيادة الاتحاد السوفيتي .. مما أدى الى اندلاع ما سُمي (بالحرب الباردة).
تونس بقيادتها «البورقيبيّة» وخلَفه «بن علي» لم تتردد في اختيار تبعيّتها للمعسكر (الامبريالي) .. فعلى الدوام ناهضت سياسة (بورقيبة) حركة القومية العربية في تونس والجوار .. ولاحقت بضراوةٍ القوى الوطنية والتقدمية بلا هوادة .. في حياتهم ولقمة عيشهم ، كما جرى في أوروبا أبان (محاكم التفتيش) .. فأطلق العنان للأجهزة الأمنية بأشكالها وألوانها .. مخبرين ووشاه يلاحقون نبض الناس .. وللإنصاف فإن تونس وشعبها المغلوب على أمره قد عانت الويلات من أقذر نظامٍ «بوليسي «شهدته المنطقة على الاطلاق .. لم يقتصر الأمر على القمع السياسي وحده .. بل تعداه الى اغتصاب قوت الناس واطلاق العنان للقطط السمان لتبتلع كل شيء (الأخضر واليابس) ، تحت سمع النظام وبصره وبتواطؤ مفضوح من سادتهم ورُعاتهم الامبرياليين .. وطوال هذه الحـُقبة حظي النظام بدعمٍ غربي قلّ نظيره.
الواقع المُزري هذا ساهم في هجرة الملايين من أبنائها الشُبان الباحثين عن الرزق والعلْم والحرية .. ففاضت العواصم الاوربيه وشوارعها بالشباب التونسي .. يكدون ويكدحون ليلاً نهاراً لتوفير قوت عيالهم وبناء مستقبلهم .. وشكّل الاحتكاك المباشر بالمجتمع الاوروبي  رافعة لهؤلاء الشُبان ، فتذوقوا طعم والحرية والمساواة والرفاه والحياة .. فأصبح الألوف منهم مناهضون طليعيّون لحُكم الطغاة الذين يغتصبون السلطة والبلاد والعباد.
وسجل( بن علي) تونس مزرعة له وحاشيته وخدمه وأتباعه  يصنعون بها ما يشاؤون.. وطوال فترة المخاض هذه .. زُج بالاف السياسيين وأصحاب الرأي في السجون الرهيبة.. فتجاوز العدد أكثر من ثلاثمائة وخمسون ألفاً حسب منظمات حقوق الانسان .. اغتيالات .. ملاحقات .. تعسـُف .. اغتصاب .. بحق الناس .. كل الناس .. دفع حالة الاحتقان للذروة.
مع انهيار جدار برلين .. وتراجُع الخطر الشيوعي .. وصناعة عدوٍ جديد للامبريالية (الاسلاميين) .. انضم نظام بن علي الى«الجوقة» اياها في ملاحقة هؤلاء واضطهادهم وقتلهم .. فـصـُنف النظام بحسب الأجندة الامريكية بأنه الأكثر تعاوناً في مكافحة (الارهاب) .. بالغ طغاةُ تونس في استهلاك أنفسهم في خدمة أسيادهم .. فأصبحوا بضاعةً فاسدة .. غير قادرة على تسويق نفسها .. فتخلّى الغربُ عنهم .. واشتدت حملة الفساد والسرقة .. وأوغلت قوى النهب في حياة التوانسة .. فحدث الانفجار أكثر من مرة.
لقد عانى الشباب التونسي وغالبيتهم من خريجي الجامعات من البطالة واليأس .. ولم يكن بمقدور هؤلاء ايجاد وظيفة مهما كانت متواضعة ولا تقاس بامكانياتهم .. إلا بعد مرورهم بنجاح من شبكات الأجهزة الأمنية المتعددة .. ولعل من باب الصدفة ان يكون لأحدهم  قريباً أوجاراً أوقِفَ لسبب او بدون من احدى الشبكات السيئة الذكر .. فتحلُ عليه اللعنة .. ويصبح موضع اتهام وملاحقة .. وبمجرد قراءتك لكتابً ممنوع .. تـُصبح مطلوباً على الفور .. وإن اتجهت للصلاة في المسجد .. حينها تُصبح (ارهابياً).
«محمد بو عزيزة» مواطنٌ بسيط .. مغلوبٌ على أمره .. لم يتكلم في السياسة .. ولم يعرف من السياسيين أحد .. لم يناهض قوى الظلم والظلام .. لم يحتج على الفساد .. يستحق العمل شأنه شأن الآخرين  ولو بوظيفة متواضعة  .. لم يُمنح تلك الفرصة كونه بسيطاً ولا يعرف أحداً من الحاشية .. اضطر لبيع الخضار على عربةٍ متجولة ليساهم في توفير قوت عياله اليومي .. ومع ذلك لاحقه النظام .. ففجّر الثورة بحرْق نفسه .. لأن الصبر لم يعد ممكناً.
• الثورات يشعلها البُسطاء والفقراء .. ولو كان السبب البيع على عربة خضار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «706»     التاريخ : 18/1/2011     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق