اقتيد الموظف ( الغلبان ) بتواطؤ من القوم والمستفيدين والأزلام الى غرفة الاستجواب .. اقتاده ( العسس ) بطريقةٍ خشنة .. فهم معبئون يخضعون بشكل " ألي " للضغوطات والهواتف من علية القوم .. تحطم الرجل وهو في الاصل مكسور الخاطر بحكم قهر الزمان والمكان .. فقد شب وتربى وكبر وهو يشعر عكس الاخرين .. فلقد تركه والده صغيراً مغادراً الدنيا الفانية .. لم تبخل أمه بالتصدي لمهمتها الجديدة المزدوجة .. كانت هي الام والأب معاً .. تعمل نهاراً وتعتني بهم فيما تبقى من اليوم .. الاسرة كبيرة بنيناً وبنات والحمل ثقيل .. رغم قسوة الظروف فقد وجد كل واحدٍ منهم مكانً له تحت الشمس .. تأهلوا جميعاً .. الواحد تلو الأخر.. وغادروا .. راعت كثيراً أصغرهم .. فهو الاكثر بؤساً .. الأكثر فجيعة بفقدان والده .. فحين غادر أباه الدنيا لم يكن هذا الغلام يعي من الأمور شيئاً .
ذهب الغلام الى المدرسة.. تعلم ..أصرت على مواصلة الطريق معه حتى تخرج من الجامعة..شعوره اياه لم يغادره يوماً.. لفقدانه شيءٍ ما .. لا يفتقده الآخرين .. تحسس المشكلة ..انخرط في العمل لمساعدة اقرانه في المأساة .. قدم الكثير .. تعلم وعلمهم الغناء والشعر.. كان ( مظفر ) هو الأبرز في حياته .. ربما لعنصر التشابه .. فالاثنان مسكونين بالغربة .. لم يهتدي الى الطريق .. اعتنق الفكر الفوضوي .. ارتدى قبعة ( جيفارا ) وكوفية ( عرفات ) اعلاناً منه بإيمانه بقضايا الحرية والإنسان.. المسألة الفلسطينيه لم تكن له الشاغل الوحيد فحسب بل قضايا الانسان والظلم على هذا الكوكب بأسره.. ازداد تمرداً شارك في التظاهرات طويلاً .. يهتف .. يصرخ بأعلى صوته .. معبراً عن ما يجول في داخله من سأم من الدنيا القاسية .. تطورت حالته.. أصبح "شيخ الهتافين " ..ظل يلف حطته السوداء و الحمراء ( لا فرق ) .. فالإقليمية لا تعنيه البته .. فهو عربي ..بل أممي .. رفعوه على الاكتاف مراراً .. هتف لهذا وضد ذاك .. لكنه لم يقتنع .. لم ترضى دواخله.. نفسه ظلت معذبة ..فجأة.. قرر ان يخُط طريقاً أخر .. ذهب الى منبت رسالة الهدى .. لعله يرتاح .. ويجد الخلاص .. لعله يهتدي طريق السلامة .. رغم المرارة المستوطنه .. أطلق لحيته على طريقة ( بن لادن ) .. مع ذلك احتفظ بالكوفية والقبعة .. لم يستطع ان يغادر البدايات .. مع انجذابه لطريق الهدى .
دفعه بقوة الى غرفة التحقيق .. وقف قليلاً امام المحقق .. رمقه بنظرة فاحصة..انجذب اليه الرجل وخاطبه برفق ( اجلس يا بُني ) .. جلس مطأطأ الرأس .. رمى كلتا يديه بين ساقيه من هول الرحله ومأساتها .. يحمل ( البكالوريوس ) منذ سنوات .. ويتحكم به الاميون ..يتناوبون على الدوام .. لم يعثر على وظيفة محترمة .. شأنه شأن ( بو عزيزي ) .. تقلب رؤساؤه في العمل .. دائماً كانوا أقل منه معرفةً وإخلاصاً للمؤسسة والناس والعدالة .. حاول ان يكون على الحياد ومع ذلك تعرض للاضطهاد والتعسف.. طالبوه بالولاء لهم على حساب المصلحة ..اصيب بالخيبة .. ظل ينفذ ويطيع الاوامر على غير قناعة لانه لا يملك الخيار ..فهو مجرد " موظف " يتلاعبون به كيفما شاءوا .. المشكله الذين تسللوا الى مواقعهم في غفلة من الزمن .. ربما عن طريق الحظ ولأن حياتهم أكثر استقراراً .. لديهم الاستعداد للتقلب والانقلاب في كل الاوقات نحو من يملك أكثر .. يدفع أكثر .. هو بطبعه لا يستسيغ ذلك الطريق ولا يتقنه .. ظل يفكر ليلاً نهاراً .. بترك العمل .. لعلني اجد عملاً على الفور .. فظروفي لا تحتمل المغامرة ولا المقامرة .. و استحوذ عليه قول الشاعر .. " لا خيلٌ عندي اهديها ولا مالٌ .. فليسعفني" الشغل " ان لم يسعفني الحالُ " .
من جديد رمقه المحقق طويلاُ .. سأله عن الموضوع .. شرح له القصة من بدايتها حتى اللحظة .. استمع اليه باهتمام.. وباحترام ايضاً.. تلمس المحقق ابعاد المسألة فهو يعرف قدرة و" قذارة" الاقوياء بالتفرد بالغلابى والضعفاء عندما يريدون تحقيق شيئاً ما ..فالنصف الاضعف لا لزوم له .. الصور و ألأفكار تجول في عقل المحقق ولمعت برأسه الحكمة التالية ( اذا واتتك القدرة على ظلم الناس .. فتذكر قدرة الله عليك ) ولخص الافادة على النحو التالي :
ان للظالم يوماً .. لن يستمر الحال طويلاً .. لأنه مخالف لقانون الطبيعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق