الاثنين، 28 فبراير 2011

الأنظمة والبلطجة





قبل حوالي عاميْن شاهدتُ فيلماً سينمائياً بعنوان «الجزيرة» يلعب فيه نجم السينما الحالي «أحمد السقا» دوراً محورياً .. تدور أحداث  الفيلم في جزيرة نائية تقع في أواسط النيل معظم سكانها من الخارجين على القانون.. تنحصر أعمالهم بتجارة المخدرات .. المدهش في الأمر أن السُلطات تعرف تمام المعرفة ما يدور فوق سطح  الجزيرة من جرائم دموية بين تلك العصابات التي تمتهن  التجارة السامة والخارجة على القانون رغم أن القانون المصري على الورق يوّقع أشدّ العُقوبات على مثل هؤلاء الناس.. مع ذلك فإن هؤلاء القوم ينعمون بالأمن والسلامة دون خوفٍ أو وَجَل فبضائعم وتجارتهم تملأ المستودعات كون ان المشرفين على مقاومة هؤلاء لهم منهم ثمن معلوم وهذا مؤشر واضح لحالة الفساد المستشرية و التي ظلّت تُهيمن على حياة المصريين طويلاً.
ولم يقتصر  التواطؤ على قوات الشرطة والأمن بل تعدّاه ليشمل أجهزة أمن الدولة  كاملة .. يحوي الفيلم لجوء عدد من السياسيين المناهضين للنظام للجزيرة  والإختفاء بها فتقوم أجهزة أمن الدولة بتكليف القاطنين هناك من حشاشين ومهربين  بملاحقة وتصفية هؤلاء السياسيين مقابل تسهيلات إضافية جديدة.
 الشريط السينمائي هذا عاد ليدور في تلابيب دماغي وأنا أُشاهد ما يحدث الآن في العواصم  بالمهام المنوطة بالحشاشين والقتلة والبلطجية في عالمنا العربي.
في ميدان التحرير .. عندما تراجع جهاز الأمن المركزي المليوني عن خوض المواجهة مع جماهير الثورة الغاضبة  في مصر تولت عصابات النهب و الترويع في ذلك البلد العربي بتكليف وتمويل جيوش البلطجية للإعتداء على جماهير الثورة كي يختلط الحابل بالنابل مما يُسهل على قوات الأمن والجيش تبرير التدخل الدموي .. لكن العملية أحبطت وإستمر  البلطجية بالإعتداء على الناس على أطراف ميدان التحرير وفي الطرقات المؤدية إليه للمشاركة في الثورة.
في اليمن .. في صنعاء .. في تعز .. تقوم قطعان البلطجية بنفس الدور .. وبنفس المهمة .. وبكفاءة أكبر بالتصدي للمتظاهرين الذين يُطالبون بإنهاء حكمٍ عشائريٍّ استبداديٍّ وجاهلٍ لا زال يجثوا على صدور الناس لأكثر من ثلاثين عاماً فاليمنيون مصممون على التغيير وتداول السلطة وإسقاط نظام علي عبد الله صالح وأبناءه ومحازبيه الفاسدين والعملاء للولايات المتحدة الأمريكية.
في ليبيا .. بنغازي .. طرابلس .. البيضا .. الزاوية .. كل تلك المدن وغيرها تعجُ بالمرتزقة والبلطجية الذين جاءوا من كل صوب وحدب  مقابل أجر معلوم لقتل المتظاهرين والمحتجين الحالمين بالتغيير بعد أكثر من أربعين عاماً من حكم إستبدادي غبي قلّ نظيره تحت لافتات شتى.
في الأردن .. المتظاهرون المطالبون بالحرية والعدل والتغيير وتداول السلطة تصدوا ببسالة ، رغم قلّتهم ومحدودية خبرتهم في أعمال «الزعرنة» ، لمثل ما حدث في العواصم والمدن العربية من قبل ، فجماعات الزعران والمأجورين هاجموا بشكلٍ مباغت وعنيف  الشبان الذين يُشكلون الطليعة في بلدنا.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم إفساد حياتنا السياسية فقطعان البلطجية والمأجورين كانوا على الدوام ومازالوا فمنذ الصباح الباكر يُشاركون بفاعلية في قمع الناس لخدمة توجهات أسيادهم وإرهابهم للعزوف عن المشاركة بفاعلية في تلك العمليات الإنتخابية.
في نادي الوحدات تم إستخدام « البلطجية» وبثمنٍ معلوم تمت رشوة الناس كي ينحازوا لهذا أو ذاك .. لا لقناعة ببرنامج أو بشخص .. بل لتلقي الرشوة والهدايا والمال.
في مصر تقف الجماهير يقظة لإسقاط ذيول النظام وأتباعه واحداً تلو الأخر فالمظاهرة المليونية الأخيرة راحت تُطالب بمحاكمة رأس النظام لفساده وتبعيته للقوى الأجنبية رغم كل غطرسته وإدعائه بعكس ذلك.
في تونس أسقط الثوار «للتو» حكومة الغنوشي لصلتها الحميمة بنظام بن علي المنهار حتى لا تتمكن قوى الثورة المضادة من إعادة ترتيب أوراقها تحت مظلة هذه الحكومة ولا زال الثوار يملأون الشوارع والميادين وأيديهم على الزناد.
في ليبيا تم تطهير معظم الأنحاء  باستثناء العاصمة التي تضيق شيئاً فشيئاً على حكم الطاغية والإستبداد وحاشيته وأُلقي القبض على المئات من المرتزقة الذين جيء بهم لنصرة النظام وقتل الثورة والثوار .. وما هي إلا مسألة وقت حتى يُحسم الأمر  لمصلحة الجماهير.
في اليمن .. الجماهير من كل القبائل والأحزاب أعلنت إنحيازها للثورة إنحيازها للتغيير وبدأ الحزب الحاكم بالإنهيار شيئاً..  فشيئاً رغم بُنيته القبلية.
التذمر والإحتجاج والتمرُّد تملأ الأرض العربية من المحيط الى الخليج ولن ينجلي هذا العام إلا و الحال قد تغير تغييراً شاملاً في بلادنا .
الأنظمة الحاكمة تحتاج في مسيرتها الطويلة الى دعم من البلطجية لأن التشابُه بينهما واضح فالأنظمة فاسدة وبلطجية بأسلوب عصري وأشباههم بلطجية وفاسدين ومجرمين بأسلوب بدائي.
جيناتهم واحدة.. والخطر الذي يُهددهم واحد.. ولا بد من حماية أحدهما للآخر..  كلما اقتضت الضرورة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي»      العدد «712»     التاريخ : 29/2/2011     سامي السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق