لم يتخيل اكثر المراقبين للأحداث دهاءاً ما يجري حالياً في العالم العربي .. فمن «بن علي» الذي حكم تونس قرابة ثلاثة عقود منكلاً بأحرارها ومثقفيها وشرفائها بأبشع الصور والأساليب .. محولاً اياها لعزبةٍ خاصة لزوجته (ليلى) تصنع فيها ما تشاء .. مُحتفظاً لنفسه بلقب (الذئب) .. و شكّل الإثنان معاً حكاية (ليلى والذئب) .. قوات أمنية ومخبرون وجلادون زجوا في السجون ما استطاعوا من أبناء تونس ، حتى أصبح (الطير الطاير) يخشى ظلمهم وبطشهم .. أكثر من نصف مليون مهاجر غادروا وطنهم باتجاه الشمال (أوروبا) بحثاً عن لقمة خبز ونسمة من حرية .. جيوش من الدرك والعملاء والمتواطئون انهاروا أمام ضغط الجماهير ومطالبهم بالأمن والحرية والعدل والمساواة .. وكما تقول امرأة تونسية على شاشة الجزيرة (ثلاثة وعشرين يوم ورحّلناه) .. تونس حرة .. بن علي هرب .. بن علي هرب .. بن علي هرب .. هذا لسان حال التوانسة الآن بعد أن فرّ الذئب .. ولا يزال الثوار التوانسة يطالبون بالمزيد .. والحراك الثوري مستمر.
ما حدث في مصر كان الأعظم والأجمل والأهم في المنطقة .. لأن نظام (الفرعون) كان الأخطر والأقذر .. في خدمة الأجندة الأمريكية والصهيونية .. دافعاً العالمي العربي نحو الإنهيار .. لأن مصر هي الساق , والرافعة , و العقل .. مما أثر سلباً على المنطقة بكاملها .. فحل الخراب السياسي والاقتصادي والثقافي .. وانتعشت الاقليمية والطائفية والسرقة واللا انتماء .. وما أن تطل من نافذة بيتك ترى السماسرة والتجار والمُخبرين .. لهذا كلّه ظلّت ثورة مصر هي الأعظم .. شكلاً وموضوعاً .. ويمكننا القول بثقة أنها ستكون احدى أهم انتفاضات التاريخ على الإطلاق .. ومن نظّرة للنظام الحاكم في مصر وقدرته على البطش والاحتواء والتصفية .. يصاب المراقب بالخيبة واليأس والاستسلام .. اعتقاداً منه باستحالة سقوط (الفرعون) وأبنائه وحاشيته .. حتى خُيّل للناس أن هؤلاء وأمثالهم قدَراً لمصر وللعرب .. لكن المفاجأة استيقاظ (المارد) المصري الذي لم يصمد (الجلاد) وزوجته سوزان وحاشيتها وأزلامها .. والفاسدين الذين نهبوا البلاد والعباد .. أمامهم سوى اقل من ثلاثة أسابيع .. فعم الفرح ارجاء مصر , والعالم العربي والحالمين بالحرية والمساواة والإنعتاق من الظُلم في العالم كلّّه .. أصاب «الهلع» الصهاينة من مستقبلهم الغامض .. فقد سقط أحد أهم حُلفائهم ومسالميهم في المنطقة.
ما يفعله في ليبيا الان (الأحمق) الذي تسيد المشهد السياسي في ليبيا وقدم نفسه مفكراً وزعيماً .. معتقداً أنه (نبياً) أُرسل للبشر لهدايتهم من الضلال .. فراح يقتل الناس في الشوارع والأزقة والسجون .. ففر من فر .. وقُتل من قُتل على يد (لجانه القمعية) المسماة باللجان الشعبية .. صبر الليبيون طويلاً .. وهم الموصومون بقلة الصبر .. فقد نكل بهم «معمر» بشكلٍ مبتكر وجديد .. كما نكل بهم من قبل (موسليني) .. بحيث أصبح التفريق بين الاثنين مستحيلاً .. الليبيون يملأون الطرقات والساحات والأرياف .. في بنغازي وطبرق وسرْت وطرابلس وعموم الأراضي الليبية .. الناس تنتفض .. تريد اسقاط النظام .. تريد اسقاط (المجنون) وأبنائه وأتباعه ولجانه .. وسيكون النصر حليفهم لأن الدم الذي سال بغزارة سيكون ثمنه باهظاً .. القتلى والجرحى أكثر من تونس ومصر .. لأن الحاكم لم يكن فاسداً وديكتاتوراً فحسب .. بل هو مجنونٌ أيضاً.
ثلاثة أقطار عربية افريقية متجاورة .. تخلصوا أو يكادوا .. من طغاتهم ولا زالت أصابعهم على الزناد .. القطر العربي الافريقي الآخر (الجزائر) نحن في الطريق إليه .. أطلّت شرارة عرب آسيا .. فمتى سيهب الحريق ؟
الحكام الذين يرتعدون من شدّة الخوف .. من ظلمهم للناس ولمواطنيهم .. عليهم الهرولة في اتجاه الاصلاح الحقيقي .. ليس بمجلس نوابٍ مزوّر .. ولا بمجلس وزراء من العجزة والأفاقين .. هؤلاء هم صانعي الفساد ومرتكبيه .. ولا يرغبون في اصلاح ما أفسدوه .. ففاقد الشيء لا يعطيه.
القادرون على الاصلاح : هم الذين تعرضوا للاضطهاد طوال العقود الماضية .. لم يتواطئوا.. أو يستسلموا .. وظلّوا عُصاة على قبول الرشوة .. هم وحدهم القادرون على الاصلاح والتغيير.
إلى موفق محادين .. سلامتك .. وابنك .. وستظل دائماً (فارس الميادين) مهما حدث لك .. كسروا ذراعك .. نعم .. لكنهم بالتأكيد لن يستطيعوا كسر رأسك ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحدات «الرياضي» العدد «711» التاريخ : 22/2/2011 سامي السيد